مقالات

هل ندرس حقا باللغات الأجنبية في بلادنا؟

لغة الدراسة في البلاد العربية

درست في كلية الصيدلة سنوات، كنا ندرس كل المواد باللغة الإنجليزية مثلها في ذلك كليات الطب والهندسة والعلوم. ومؤخرا أصبحت كليات التجارة وغيرها توفر الدراسة باللغة الإنجليزية. فهل ما يُدرس في كلياتنا هو اللغة الإنجليزية أصلا أم أنها خليط لا يفهم

هل ندرس حقا باللغات الأجنبية في بلادنا؟

يتكلم الشعب المصري العربية في الشارع والحياة اليومية، بها نتواصل ونتاجر ونكتب. فإذا جاء الأستاذ ليضع منهجا في الكلية نسخه من المصادر الأجنبية وكما درس باللغة الإنجليزية. مع أنها ليست لغته وهو غير حاذق بها كحال الطلبة الذين يدرسهم.

وأثناء المحاضرة يضطر لترجمة شرحه والإتيان بكلمات عربية كثيرة كي يتواصل مع الطلبة ويفهمهم. فتمتزج العربية بالإنجليزية أثناء المحاضرة، وهذا واقع معروف ومجرب. فلم تملى المحاضرة بالإنجليزية الخالصة كأهلها ولا بالعربية الخالصة. بل هي مزيج عجيب مختلط من اللغتين معا، وهكذا فلم نُحَصِّل عنب الشام ولا بلح اليمن. وهذا يؤثر على التحصيل العلمي بالطبع لأن الطلاب لا يتقون لغة الشرح، ولا أستاذهم.

وحتى بعد سنوات الدراسة الطويلة لا يتقن الطلبة العرب اللغة الإنجليزية لأن الدراسة كانت مختلطة بعربية. ولا هم متقنون للعربية لأنهم حذفوها من أذهانهم، وينتهي بنا الحال إلى لاشيء. وأقول هذا وقد درست بالإنجليزية وأعرف الوسط العلمي، وقد عاصرت أبي طبيبا واختلطت معه ومع زملائه، ثم مع زملائي وكليتي وبين أقاربي الكثيرين الذين يدرسون بالإنجليزية. ولا يوجد أحد منهم يتقنها حديثا وكتابة، بل يتلعثمون إذا تحدثوا مع أجنبي على الإنترنت.

طلبة الطب يعرفون بعض الكلمات في سياقها الطبي ولا شيء آخر. فلا يقدرون على إنشاء جمل بالإنجليزية خارج تخصصهم ولا يستعملونها في حياتهم. فالحاصل أن ما ندرسه هجين من اللغات، أضعنا فيه لغتنا ولم نبلغ أن نتقن اللغات الأخرى.

أغلب الكلمات في الكتب العلمية يمكن أن تقال بأي لغة.

معظم الكلمات في أي نص مكتوب هي أفعال وحروف ومسميات يمكن أن تقال بأي لغة. وليست مصطلحات موضوعة بلغة بعينها، لأنها معانٍ مشتركة في كلام الناس. كلمات مثل ارتفاع الضغط والتحاليل والعضلات وخطوات تسجيل المريض ووصف علاجه كلها كلمات بسيطة جدا ولا نحتاج أن ننطقها بالإنجليزية.

كذلك الحال في لغة دراسة الهندسة. فوصف المعادن التي تصنع منها السيارات وحركات السيارة نفسها وأطوالها وأبعادها ليست محصورة باللغة الإنجليزية ولا بغيرها. وهي تشكل معظم الكلمات في أي نص.

ترجمة المصطلحات العلمية. 

أما المصطلحات العلمية فهي التي ترتبط بالأصل الأجنبي لظروف وضع العلوم. وهي ظروف يجب أن تتغير على كل حال، وهذه يمكن أن تترجمها المجامع العربية الرسمية باختيار ألفاظ عربية سهلة، وهذا واجبها.

وتذخر المجامع بعلماء أصحاب علم غزير في التخصصات العلمية واللغوية معا ويقدرون على هذه المهمة بسهولة إذا أوكلت لهم المهمة. وسوف تساعدهم اللغة العربية بما فيها من قدرة على الاشتقاق وتوليد الألفاظ.

وحتى تتفق المعاجم على وضع مصطلحات عربية، يمكن أن تنطق المصطلحات باللفظ الأجنبي وتكتب بالحروف العربية. كما تفعل اليابان التي تكتب بعض جامعاتها المصطلحات بالحروف اليابانية لتسهل قراءتها، وتوضع بين كلمات النص الياباني المعتادة للطلبة. هذا أمر يسهل تطبيقه في الجامعات العربية بانتظار أن تعرب تماما في وقت لاحق. لأن قرار التعريب يجب أن يكون باتفاق المجامع العربية.

الأسباب النفسية للدراسة باللغات الأجنبية.

عدم التدريس باللغة العربية ليس قصورا من اللغة العربية التي كانت لغة العلم فعلا. والتي يعرف المتقنون لها قدرتها العجيبة على التعبير عن المعاني، وليس مرتبطا بأي لغة لأن أغلب دول العالم تدرس بلغاتها بالفعل. بل هي أسباب نفسية خالصة ناتجة عن طول تعودنا للدراسة باللغات الأجنبية، ونظرة البعض للأجانب بعين التعظيم في كل موقف. وهذا مبدأ أساسي ينبغي تغييره.

اللغة الوطنية فخر وانتماء.

 

إهمال اللغة الوطنية بهذا الشكل هو اعتراف بالتبعية للأمم الأخرى. فيتولد عند الناس شعور بأنهم تابعون وينتظرون ما يأتي لهم من أصحاب العلم. وإذا أردنا تضييق الفارق بيننا وبين الأمم الأخرى فعلينا أن نبدأ بالترجمة ثم الدراسة ووضع العلم والحضارة بلغتنا.

وقد يقول المعترضون أن الدراسة بالإنجليزية وغيرها يجعلنا على تواصل لأننا لسن أمة منتجة للعلم. نحن لسنا منتجين للعلم الآن. لكننا لن نبدأ انتاجه إلا عندما نترجمه، وقد أثبت التاريخ فعلا أن الأمم تقوم إذا تولدت فيها روح وطنية قوية تدفع الناس للعمل. فلم تقم دولة وهي تتحدث بغير لغتها، اللغة أكبر قوة محركة للوطنية. أما التحدث بلغة الآخرين فهو إعلان خضوع وسلب لروح الأمة.

 

اعتراض الأكاديميين على لغة الدراسة

 

هل يحق للأكاديميين أو للطبيب و المهندس الاعتراض على تعريب العلوم، من وجهة أنهم يرون أنفسهم أصحاب الموضوع. فهل هم أصحاب الموضوع فعلا؟

أثناء حديثي في هذه القضية، وأحيانا ما أتحدث بها، يدافع الزملاء عن التعليم باللغات الأجنبية. بحجة أنهم جربوا الأمر ويعرفون ما يقولون، وأن الآخرين لا يفهمون هذا الأمر. 

الحقيقة أن الأكادميين هم أكبر المعارضين لتعريب العلوم بسبب اعتيادهم على الدراسة بغيرها وسفر كثير منهم للخارج وعدم تصورهم شيئا آخر.

تنقص الأكادميين معرفة بعض الامور الأساسية في علم الإجتماع وفلسفة العلوم وانتقالها. والأمر أكبر من نظرتهم الضيقة لمحيطهم الضيق، فهناك عوامل اجتماعية وثقافية لا يدركون زواياها ولا يهتمون بها. ولا يتابعون الإحصائيات عن دول العالم ولا تاريخ تدريس العلوم. كما أنهم واقعون في حكم العادة، ولا يتصورون شيئا آخر.

ويدافع الاطباء والمهندسون عن التعليم بالإنجليزية فقط حفاظا على الفاصل بينهم وبين عامة الشعب. التحدث بالإنجليزية علامة أكيدة على التمايز الاجتماعي في بلادنا ودليل على ارتفاع المكانة.

كاتب هذا المقال صيدلي، وأعرف الوسط الطبي والعلمي في بلادنا جيدا وأعرف كيف يفكرون، وكيف يتكلمون بالإنجليزية أحيانا عن المريض الجالس معهم وقد يسخرون منهم وهو لا يدري. ولا ينبئك مثل خبير.

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي