الكتابة

دليل الكاتب إلى نشر الكتب

النشر المجاني - النشر بمقابل - النشر الذاتي.

كثيرا ما يدخل عضو جديد في مجموعات الكتابة ونشر الكتب قائلا: عندي مخطوطة أو كتاب وأبحث لها عن دار نشر مجانية. فما هي الدور المجانية المتاحة الآن؟

عندما أقرأ مثل هذا السؤال، أعرف أن العضو لا يعرف كيف تعمل صناعة النشر. عالم النشر كبير ومتشعب، وكثير من الكُتاب لا يفهمون كيف تسير هذه العملية. أنا شخصيا بحثت في هذا الأمر كثيرا وتمكنت من جمع هذه المعلومات لأفيد بها الكتاب الجدد، في هذا المقال أعرض عليك أنواع النشر والاتفاقيات التي تتم بين الكاتب ودار النشر، لتقرر كيف تختار ما يناسب وضعك.

بعد الانتهاء من وضع الكتاب – وربما قبل ذلك- يتجه نظر الكاتب إلى كيفية نشر كتابه، ويشكل هذا الأمر هاجسا كبيرا، خاصة عند الكتاب الجدد، لأنه يريد معرفة طريقه ويشعر بعدم الارتياح إزاء عدم الفهم. وقد يتسبب عدم الفهم في عدم الكتابة من الأساس. 

وظيفة دار النشر. 

دور النشر هي مؤسسات تقوم على معالجة وطباعة ونشر وتوزيع الكتب في الأسواق والمكتبات، ومثل أي مؤسسة بشرية، يجب أن تدر ربحا لأصحابها كي تؤدي رسالتها وتستمر في العمل، فهي مؤسسة قائمة على الربح لأصحابها من خلال تجارة الكتب. وليست عملا خيريا كما يظن الكتاب الجدد.

لكل دار مجال محدد، فهناك التي تنشط في الكتب العلمية أو الدينية أو التعليمية أو الأدبية أو الروايات، وهناك التي تجمع بين الأنواع المختلفة، ومن المهم أن يتواصل الكاتب مع الدار التي تنشر نوع كتاباته، فهذا يزيد جدا من معدل القبول.

 وهناك دور تابعة للجمعيات الخيرية أو الجامعات والجوائز، لكنها وضع خاص ولا تشكل المسار العام لصناعة النشر.

يجب أن تدرك أن أغلب دور النشر تعمل لتربح. ولن تنشر لك كتابا إلا إذا توقعت منه نجاحا تجاريا مع إيصال رسالتها. وهذا ليس عيباً لأن البيع والشراء والتجارة هي الوسيلة التي أوجدها الله لتبادل المنافع بين الناس، وعن طريقها تنشر فكرتك وتحقق أنت أيضا الربح.

إذا قبلت دار النشر كتابك فإنها ستتولى القيام بكل ما يتطلبه العمل من تنسيق الصفحات والمراجعة اللغوية والتصميم الخارجي وعملية الدعاية، ولن تأخذ منك مقابلا ماديا لأنها تعتمد على المبيعات المتوقعة، ويمكنك الاعتماد عليها في هذه الخدمات.

أمران يجعلان كتابك جاذبا لدار النشر.

 

تقرر دار النشر التعاون معك إذا ظنت أن كتابك سيحقق المبيعات، وهذا ما يجب أن يفهمه الكاتب الجديد. لهذا بجب أن ينال الموضوع رضا لجنة القراءة فيها، يجب أن تؤمن الدار بجودة كتابك العلمية أو الأدبية وأن يتوافق مع خطهم ومجال عملهم، حينها سيستلمون منك الكتاب، إذا فالعامل الأول: هو الجودة العالية للكتابة مع الاتفاق حول الموضوع.

الأمر الثاني وهو مهم في هذا العصر، وهو الشهرة ووجود القاعدة الجماهيرية. ستتشجع دار النشر على العمل معك إذا كنت تملك قاعدة جماهيرية على مواقع التواصل، حينها ستدرك الدار أن هناك فرصة حقيقية لنجاح كتابك بينهم، وبالطبع يجب أن تكون الشهرة مستحقة ومبنية على جودة أعمالك، لا أن يقوم المشاهير بكتابة أعمال قليلة القيمة اعتمادا على شهرتهم، فهذا أمر آخر. 

إذا عليك العمل على جودة الكتب وهو الأصل. ثم على اكتساب الشهرة، مع التأكيد على الجودة أولا لأنها ما تبقى. ويستسحن الإثنان معاً كي تضمن اهتمام دور النشر بكتبك. 

النشر بمقابل والنشر المجاني. 

النشر المجاني هو المسار الطبيعي لصناعة النشر، وهو ما يهدف إليه الكاتب. لأنه يجعل الكاتب يهتم بعمله الأساسي وهو التركيز على كتابته، ويترك المختصين في دور النشر ليقوموا بعملهم. لن يدفع الكاتب شيئا وستقوم الدار بكل الأعمال الضرورية، من التنسيق والمراجعة الاحترافية وتصميم الأغلفة والتسجيل والتوزيع في معارض الكتب ومنافذ التوزيع والمكتبات المتعاقدة. وتضعه مع أقرانه من الكتاب الكبار في نفس الأرفف أمام الجمهور الذي يثق بإصدارات هذه الدار، وهذا هو الوضع المثالي.

يحصل الكاتب عادة على نسبة 10% من ثمن الكتب المباعة، وقد تزيد حسب شهرة الكاتب، ويحصل الكتاب المشاهير أيضا على مبلغ تعاقد قبل توقيع العقد، وذلك لثقة الدار في أعماله وانتشارها، وهذه الأرقام متشابهة في كل دول العالم.

تصبح دار النشر شريكا للكاتب، كما يهمها الحفاظ على سمعتها القوية واسمها التجاري. وستسعى بكل قوتها لإخراج الكتاب بأفضل شكل ممكن، وستحرص على توزيعه وبيعه كي ينتعش عملها وتحقق النجاح مع الكتاب. خاصة إذا كانت واحدة من الدور العريقة التي تحافظ على اسمها القوي في عالم الثقافة.

لكن ذلك لن يحدث كل مرة للأسف، في أحيان كثيرة لن تجد من يقبل بنشر كتابك. فتضطر إلى تكرار المحاولة مع دور كثيرة حتى تقبل إحداها. وقد حدث هذا فعلا في بداية حياة كتاب كثيرين. بعضهم قد أصبح شهيرا جدا في ما بعد، لكنه عانى في البداية من أجل إقناع دور النشر.

النشر بمقابل أو النشر على نفقة الكاتب.

هناك حل أتت به بعض دور النشر، وهو أن يقوم الكاتب بدفع تكاليف كتابه. من تنسيق وتصميم وطباعة، وتقوم الدار بالإجراءات التجارية من تسجيل واستخراج التصاريح اللازمة، ثم القيام بالتوزيع.

وبديهي أن الدار تقدم هذه الخدمة عندما لا تثق أن الكتاب سيحقق المبيعات. في هذه الحالة تعمل الدار في الحقيقة كمطبعة وتاجر فقط. وفي الحقيقة فإن الدور الشهيرة لا تقدم هذه الخدمة.

عيوب النشر على نفقة الكاتب.

النشر بمقابل هو أسلوب لمساعدة الكتاب المبتدئين الذين لم يوفقوا في إيجاد دار تنشر لهم. وقد يكون مفيدا وناجحا، لكن يجب على الكاتب إدارك طبيعته كي يحقق النجاح.

أولا: أن الدور التي تعمل بهذه الطريقة تكون عادة صغيرة الحجم و ضعيفة التوزيع. وليس لها خطة نشر محددة. حيث يقتصر توزيعها أحيانا على معرض القاهرة للكتاب وبعض المكتبات الصغيرة، وبعض المنشورات على صفحتهم على الفيسبوك، وعادة لا تقدم دور النشر المعروفة هذه الخدمة. 

ثانيا: في هذه الطريقة يحصل الكاتب على نسبة كبيرة من ثمن الكتب، قد تصل إلى 50% من ثمن الكتاب أو أكثر. ورغم ذلك، فإن الدار قد حققت مكسبها المادي مقدما قبل أن تطرح كتابك، عندما استلمت منك مبلغ الدفع. لأنها تربح من عملية الطباعة للكتاب الصغار، لا من بيع الكتب، وهذا هو عملها ونموذج ربحها. لهذا لا يوجد عندها حافز لدعم كتابك والدعاية له، بل ولا الاهتمام بجودة إخراج الكتاب. الكاتب هو من يسعى لبيع الكتاب لاسترجاع أمواله.

ثالثا: غالبا لا تهتم دار النشر بنوع الكتاب ولا بجودته على الإطلاق، ولا تقدم أي استشارات أدبية. وبعضها لا ينظر في المحتوى ولا يهتم به أصلا، لأنها في الحقيقة تقدم خدمات مكتبية فقط تتعلق غالبا بالطباعة وتسجيل الكتاب دون النظر للمحتوى، فتتسم الكتب المنشورة بهذه الطريقة بانخفاض الجودة وعدم التناسق، فقد تجد على الرف كتبا كثيرة لا تمت لبعضها بصلة ولا تخاطب جمهورا محددا. 

بعض المتخصصين في صناعة الكتب لا ينصحون إطلاقا بالنشر بهذه الطريقة بسبب العوامل التي ذكرتها، وينصحون الكاتب بالانتظار حتى يجد دارا تقبل به، وفي أثناء ذلك عليه بتحسين جودة كتبه أو تكوين قاعدة جماهيرية تقوي موقفه.

يتحمل الكُتاب الجدد بعض المسؤولية.

ويتحمل الكتاب الجدد بعض المسؤولية في هذا النموذج. فكثير منهم لا يرتقي بكتابته للمستوى المقبول، لا من حيث المحتوى أو الحبكة. وأحيانا تكون اللغة ضعيفة لدرجة مثير للشفقة أو ممتزجة بعامية، تشبه كتابتهم نفثات الخواطر المتفرقة، والتي لم تنضج بعد لتكون كتبا تطرح للجمهور، فمن الطبيعي ألا تقبل بها دور النشر.

لكن الكتابة لها بريق، ويحب الشباب أن يشار لهم بين أقرانهم بلقب الكاتب وأن لهم كتبا تطرح في معرض الكتاب ويلتقط لهم الصور. ولهذا يقتحم كثيرون هذا الميدان، ولا يجدون من يقبل بكتاباتهم إلا الدور الصغيرة التي تطبع وتأخذ ثمن عملها.

هناك نوع آخر من الكتاب الشباب، ممن يرغبون فعلا في كتابة جادة، لكنهم ما زالوا في بداية الطريق. فلم تنضج أفكارهم ولا لغتهم، وفي هذه الحالة، تكون النصيحة الصادقة لهم ألا يستعجلوا في عملية التوزيع وطرح الكتب، فقد تحرق قبل نضجها، وتذكر أن تعلم الكتابة يستغرق سنوات من اكتساب الأفكار وتحسين الأسلوب.

متى يكون النشر على نفقة الكاتب مفيدا؟ 

يمكن أن يكون النشر بمقابل مفيدا للكاتب إذا علم أنه يستطيع بيع كتبه بنفسه. أو إذا كان هدفه طرح الكتاب الأول ليتعرف عليه الجمهور أول مرة ولا يهمه حجم المبيعات. على أن يحقق النجاح في الطبعات التالية والكتب الأخرى التي ينوي إصدارها.

كما أن بعض الأساتذة يحبون نشر رسائلهم الجامعية للجمهور ولا يريدون دخول عالم النشر. في هذه الحالة يكون النشر بمقابل خيارا مقبولا.

النشر الذاتي والطباعة وقت الطلب. 

هناك نوع ثالث من النشر، منتشر بقوة في الخارج لكنه ما زال في البداية في الوطن العربي. اسمه: النشر الذاتي، وهو أن يقوم الكتاب نفسه بشر كتابه مباشرة دون أي وسيط. ويتم ذلك برفع مادة الكتاب على أحد المواقع المتخصصة، وغالبا ما يكون موقع أمازون. يعرض الموقع الكتاب أمام الزوار، وعندما يطلبه المشتري يقوم الموقع بطباعة نسخة خصيصا وإرسالها وتحصيل ثمنها ثم اقتسام الأرباح مع الكاتب.

نسبة الربح في هذه الطريقة عادة ما تقسم بنسبة 30% للموقع و70% للكاتب، يقدر أمازون تكلفة الكتاب حسب المواد المستخدمة ثم يترك للكاتب حرية اختيار السعر.

في هذه الطريقة لا يقوم أمازون والمواقع المماثلة بعمل شيء في الكتاب. تقع المسؤولية كاملة على الكاتب في مراجعة كتابه وتنسيقه وتصميمه. ولهذا يقوم الكتاب في الدول الأجنبية بعمل هذا بأنفسهم. أو يوكلون متخصصا يقوم لهم بهذه الخدمات، كما تقع مسؤولية الدعاية للكتاب عادة على عاتق الكاتب. وبعض كبار الكتاب في الغرب أصبحوا يعتمدون على هذه الطريقة. فيكتبون الكتاب ويتيحونه للبيع على أمازون مباشرة ويحققون من ذلك أرباحا كبيرة.  

لا يقدم موقع أمازون هذه الخدمة حتى الآن في الوطن العربي. لكنها موجودة عن طريق بعض الشركات التي بدأت في تبنيها، فتقدم خدمة الطباعة مع توفير حلول فيما يخص التنسيق والتصميم والخدمات الأخرى. وما زال المستقبل واعدا وقد نرى إضافة في صناعة النشر في المستقبل القريب. 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي