هذه هي القصيدة الثالثة في ديوان امرؤ القيس، يحكي فيها مرارة ما يشعر به في حروبه التي زرعت في قلبه الشك وشتتت أهله، أنشدها في حضور صديقة علقمة الفحل الذي عارضها بقصيدة أخرى على نفس الوزن والقافية، وحكموا بينهما زوجة امرؤ القيس.
يشكو في البداية من حال الدنيا وعبر عن ذلك بغزل مجازي عن حبيبته التي لا يعلم هل تحبه أم لا، ثم تكلم عن لوعة الحب والحزن، وسلى نفسه بعد ذلك بالحديث عن الحصان: حيوانه المحبب الذي يستمتع به وينسى معه همومه.
1- خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلى أُمِّ جُنْدَبِ … نُقَضِّي لُبَانَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ
لُبانات: اللبانة هي الحاجة العاطفية، حاجته إلى الحب.
2- فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً … مِنَ الدَّهْرِ يَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
3- أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقاً … وَجَدْتُ لَهَا طِيباً وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ
طارقا: زائرا في الليل
طيبة الحال دائما بلا تحضير ولا تجهيزٍ
4- عَقِيلَةُ أَتْرَابٍ، لَا دَمِيمَةٌ … وَلَا ذَاتُ خَلْقٍ إِنْ تَأَمَّلْتَ جَأْنَبِ
عقيلة أتراب: هي خير مثيلاتها.
دميمة: قبيحة.
هي خير مثيلاتها، ولو تأملتها لن ترى فيها عيبا منفرا.
5- أَلَا لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ حَادِثُ وَصْلِهَا … وَكَيْفَ تُرَاعِي وَصْلَةَ المُتَغَيِّبِ
يتساءل: كيف حالها الآن وكيف تراعي غيبته، كناية عن قلقه من تقلبات الحياة.
6- أَدَامَتْ عَلَى مَا بَيْنَنَا مِنْ مَوَدَّةٍ … أُمَيْمَةُ أَمْ صَارَتْ لِقَوْلِ المُخَبِّبِ
المخبب: الذي يحرضها ويفسدها بالكلام.
7- فَإِنْ تَنْأَ عَنْهَا حِقْبَةً لَا تُلَاقِهَا … فَإِنَّكَ مِمَّا أحْدَثْتَ بِالمُجَرَّبِ
إن ابتعدت عنها فترة لا تراها، فقد جربت هذا، كناية مرة أخرى عن تقلب أحوال الدنيا.
8- وَقَالَتْ مَتَى يَبْخُلْ عَلَيْكَ وَيُعْتَلَلْ … يَسُؤْكَ وَإِنْ يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدْرُبَ
تقول: إن بخلت عليك بالوصال ساءك هذا، وإن أكثرت في وصالك مللت منها.
9- تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ … سَوالِكَ نَقْباً بَيْنَ حَزْمَيْ شَعَبْعَبِ
تبصر: انظر ببصيرتك، أي بعين خيالك.
ظَعائن: نسوة مسافرات.
ذهبت عنه الراحة كما ذهبت هذه المسافرات.
10- عَلَوْنَ بِأْنَطَاكِيَّةٍ مِنْ فَوْقِ عِقْمَةٍ … كَجِرْمَةِ نَخْلٍ أَوْ كَجَنَّةِ يَثْرِبِ
أنطاكية: نوع من الثياب مصنوع في مدينة أنطاكية.
عقمة: نوع من الزخرفة.
جِرمة نخل: بستان نخل بعد أخذ ثمره.
11- فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ … أَشَتَّ وَأْنْأَى مِنْ فِرَاقِ المُحَصَّبِ
لله عينا من رأى: يعظم أمر الفراق عليه.
أشت: أكثر شتاتا.
أنأى: أبعد.
المُحصب: المُبعد.
لا يوجد أعظم وأكثر ابتعادا من المبعد عن أهله
12- فَرِيقَانِ، مِنْهُمْ جَازِعٌ بَطْنَ نَخْلَةِ … وَآخَرُ مِنْهُمْ قَاطِعٌ نَحْدَ كَبْكَبِ
تشتت الأحبة بعد الحرب: فكل فريق يذهب في اتجاه، أي أنهم تفرقوا في البلاد.
13- فَعَيْنَاكَ غَرْبَا جَدْوَلٍ فِي مُفَاَضَةٍ … كَمَرَّ الخَلِيجِ فِي صَفِيحٍ مُصَوَّبِ
غربا جدول: دلوا الجدول يحملان الماء
مُفاضة: الأرض الواسعة.
مصوب: مُحدد اتجاهه.
فعيناك تسح الدموع مثل دلوين يحملان الماء ويصبان في أرض واسعة، يسيل فيها الماء في قناة محددة.
يصف شدة انهمار دكوعه كأنها نهر صغير.
14- وإِنَّكَ لَمْ يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ … ضَعِيفٍ وَلَمْ يَغْلِبْكَ مِثْلُ مُغَلَّبِ
تفخر عليك المرأة وهي الكائن الضعيف، ولا يغلبك أحد إلا هي وهي التي يغلبها كل أحد.
أي أن العاطفة تتغلب على الرجل القوي فتجعله يبكي.
15- وَإِنَّكَ لَمْ تَقْطَعْ لُبَانَةَ عَاشِقٍ … بِمِثْلِ غُدُوٍّ أَوْ رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ
ولا شيء يذهب الحاجة إلى الحب مثل الذهاب والمجيء والابتعاد عن الحبيب،أي أن البعد يجعل الإنسان ينسى.
16- بِأَدْمَاءِ حُرْجُوجٍ كَأَنَّ قُتُودَهَا … عَلَى أَبْلَقِ الكَشْحَيْنِ لَيْسَ بِمُغْرَبِ
تروح على ناقة بيضاء طويلة الخطوة، كأن مقودها على حمار وحشي أبيض الصدر (وهذه صفته)
يقصد أنها قوية كحمار الوحش.
17- يُغَرِّدُ بِالأَسْحَارِ فِي كُل سُدْفَةٍ … تَغَرُّدَ مَيَّاحِ النَّدَامَى المُطَرِّبِ
هذا الحمار لقوته يصيح ويصوت وقت الغسق، كأنه شارب طرب.
18- أَقَبُّ رَبَاعٌ مِنْ حَمِيرِ عَمَايَةٍ … يَمُجُّ لُعَاعَ البَقْلِ فِي كُلَّ مَشْرَبِ
هذا الحمار شاب عريض الجسد يتقافز، من حمير منطقة عماية في نجد، وهي حمير نشيطة، يترك أثر الأكل في الماء كلما شرب، وهذا من كثرة ما يأكل.
19- بِمَحْنِيَةِ قَدْ آزَرَ الضَّالُ نَبْتُهَا … مَجَرُّ جُيُوش غَانِمِينَ وَخُيَّبِ
محنية: منحى في الوادي، ويكون النبت أغزر في هذا الموضع لأنه يقف في المنحنى.
في منحنى من الوادي حيث يطول النبات لغزارة الماء، وكم مر من هذا المكان جيوش خائبة وغانمة.
20- وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرِ فِي وُكُنَاتِهَا … وَمَاءُ النَّدَى يَجْرِي عَلَى كُلِّ مِذْنَبِ
أغتدي: أخرج وقت الغداة، أي مبكرا.
وكناتها: أعشاشها.
ينتقل للحديث عن الحصان لأنه يجد فيه السلوى من أحزانه.
يخرج للجري بالحصان والصيد باكرا وما زالت الطير في أعشاشها لم تخرج بعد، وما زال الندى يسيل على ذيول الحيوان.
21- بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ لَاحَهُ … طِرَادُ الهَوَادِي كُلَّ شَأْوٍ مُغَرِّبِ
منجرد: حصان محلوق.
قيد الأوابد: سريع جدا فكأنه يقيد الحيوانات البرية، الأوابد هي الحيوانات البرية.
أخرج للصيد بحصان ضامر من كثرة من جرى بعيدا وراء الطرائد.
22- عَلَى الأَيْنِ جَيَّاشٌ كَأَنَّ سَرَاتَهُ … عَلَى الضُّمْرِ وَالتَّعْدَاءِ سَرْحَةُ مَرْقِبِ
الأين: التعب
جياش: يجيش بالطاقة والحيوية.
سراته: أعلاه.
التعداء: كثرة العدو.
سرحة مرقب: شرحة يراقب الشخص منها الطريق.
يواصل جريه وحيويته بعد التعب، وهو عال مرتفع الجسد كأن رأسه شجرة عالية مشرفة.
23- يُبَارِي الخَنُوفَ المُسْتَقِلَّ زِمَاعَهُ … تَرَى شَخْصَهُ كَأَنَّهُ عُودُ مِشْجَبِ
يشبه في قوته ونشاطه الحمار الوحشي الذي يرمي رجله للأمام عند الجري، وهو منتصب تراه من بعيد من العود المنتصب.
24- لَهُ أَيْطَلَا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ … وَصَهْوَةُ عَيْرٍ قَائِمٍ فَوْقَ مَرْقَبِ
له خاصرة جميلة كالظبي، وساقة صلبة كالنعامة، وظهر حمار وحش متمدد ومستوي واقف فوق مرتفع وهو ما يجعله أوضح، فجعل له كل الصفات الحسنة
25- وَيَخْطُو عَلَى صُمٍّ صِلَابٍ كَأَنَّهَا … حِجَارَةُ غَيْلٍ وَارِسَاتٌ بِطُحْلُبِ
يصف حوافرها بأنها صلبة كالصخر، وناعمة لامعة كأنها الحجارة المغمورة بالماء.
26- لَهُ كَفَلٌ كَالدَّعْصِ لَبَّدَهُ النَّدَى … إِلَى حَارِكٍ مِثْلَ الغَبِيطِ المُذَئَّبِ
مؤخرته ككثيب الرمل الطريق الي جمعه الندى، والحارك الارتفاع الذي بين الكتفين، واسع مثل الهودج
27- وَعَيْنٌ كَمِرْآةِ الصَّنَاعِ تُدِيرُهَا … لِمَحْجَرِهَا مِنَ النَّصِيفِ المُنَقَّبِ
له عين لامعة كالمرآة المستعملة كثيرا، تديرها الفتاة لترى وجهها
28- لَهُ أُذُنَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا … كَسَامِعَتَيْ مَذْعُورَةٍ وَسْطَ رَبْرَبِ
له أذنان تعرف منهما علامات حسن السلالة، حساستان كأنثى المها المذعورة المتحفزة بين قطيعها.
29- وَمُسْتَفْلِكُ الذِّفْرَى كَأَنَّ عِنَانَهُ … وَمَثْنَاتُهُ فِي رَأْسِ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
عظمها خلف أذنها مستدير، (من الصفات الأصيلة)، رقبته طويلة كأن رأسه معلقة على جذع طويل.
30- وَأَسْحَمُ رَيَّانُ العَسِيبِ كَأَنَّهُ … عَثَاكِيلُ قِنْوٍ مِنْ سُمَيْحَةَ مُرْطِبِ
وذيل أسود غزير الشعر، كأنه عراجين النخل الكثيفة.
31- إِذَا مَا جَرَى شِأْوَيْنِ وَابْتَلَّ عِطْفُهُ … تُقُولُ هَزِيزُ الرِّيحِ مَرَّتْ بِأَثْأَبِ
إذا ما جرى طلقتين وابتل بالعرق، سمعت له صوتا كصوت حفيف هذا النوع من الشجر
32- يُدِيرُ قَطَاةً كَالمَحَالَةِ أَشْرَفَتْ … إِلَى سَنَدِ مِثْلَ الغَبِيطِ المُذَأَبِ
مكان الجلوس مستدير كالبكرة
33- وَيَخْضِدُ فِي الآرِيِّ حَتَّى كَأَنَّمَا … بِهِ عُرَّةٌ مِنْ طَائِفٍ غَيْرُ مُعْقِبِ
34- فَيَوْماً عَلَى سِرْبٍ نَقِيٍّ جُلُودُهُ … وَيَوْماً عَلَى بَيْدَانِةٍ أُمِّ تَوْلَبِ
35- فَبَيْنَا نِعَاجٌ يَرْتَعِينَ خَمِيلَةً … كَمَشْيِ العَذَارَى فِي المُلَاءِ المُهَدَّبِ
36- فَكَانَ تَنَادَيْنَا وَعَقْدُ عِذَارِهِ … وَقَالَ صِحَابِي قَدْ شَأَوْنَكَ فَاطْلُبِ
37- فَلَأْياً فَلَأْياً مَا حَمَلْنَا وَلِيدَنَا … عَلَى ظَهْرِ مَحْبُوكِ السَّرَاةِ مُحَنَّبِ
38- وَوَلَّى كَشُؤْبُوبِ العَشِيِّ بِوَابِلٍ … وَيَخْرُجْنَ مِنْ جَعْدٍ ثَرَاهُ مُنَصَّبِ
39- فَلِلسَّاقِ أُلْهُوبٌ وَلِلسَّوْطِ دِرَّةٌ … وَللزَّجْرِ مِنْهُ وَقْعَ أَلْهَبَ مِنْعَبِ
40- فَأَدْرَكَ لَمْ يَجْهَدْ وَلَمْ يَثْنِ شَأْوَهُ … يَمُرُّ كَخُذْرُوفِ الوَلِيدِ المُثَقَّبِ
41- تَرَى الفَأْرَ فِي مُسْتَنْقَعِ القَاعِ لَاحِباً … عَلَى جَدَدِ الصَّحْرَاءِ مِنْ شَدِّ مُلْهَبِ
42- خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا … خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلَّبِ
43- فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ … وَبَيْنَ شَبُوبٍ كَالقَضِيمَةِ قَرْهَبِ
44- وَظَلَّ لِثَيراَنِ الصَّرِيمِ غَمَاغِمٌ … يُدَاعِسُهَا بِالسَّمْهَرِيِّ المُعَلَّبِ
45- فَكَابٍ عَلَى حُرِّ الجَبِينِ وَمُتَّقٍ … بِمَدْرِيَّةٍ كَأَنَّهَا ذَلْقُ مِشْعَبِ
46- وَقُلْنَا لِفِتْيَانٍ كِرَامٍ أَلَا انْزِلُوا … فَعَالَوا عَلَيْنَا فَضْلَ ثَوْبٍ مُطَنَّبِ
47- وَأَوْتَادُهُ مَاذِيَّةٌ وَعِمَادُهُ … رُدَيْنِيَّةٌ فِيهَا أَسِنَّةِ قَضْعَبِ
48- وَأَطْنَابُهُ أَشْطَانُ خُوصٍ نَجَائِبٍ … وَصَهْوَتُهُ مِنْ أَتْحَمِيٍّ مُشَرْعَبِ
49- فَلَمَّا دَخَلْنَاهُ أَضَفْنَا ظُهُورِنَا … إِلَى كُلِّ حَارِيِّ جَدِيدٍ مُشَطَّبِ
50- كَأَنَّ عُيُونَ الوَحْشِ حَوْلَ خِبَائِنَا … وَأَرْحُلِنَا الوَحْشُ الذِي لَمْ يُثَقَّبِ
51- نَمُشُّ بِأَعْرَافِ الجِيادِ جِيَادَنَا … إِذَا نَحْنُ قُمْنَا عَنْ شِوَاءٍ مُضَهَّبِ
52- وَرُحْنَا كَأَنَّا مِنْ جُؤَاثَى عَشِيَّةً … نُعَالِي النِّعَاجَ بَيْنَ عَدْلٍ وَمُحْقَبِ
53- وَرَاحَ كَتَيْسِ الرَّبْلِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ … أَذَاةً بِهِ مِنْ صَائِكٍ مُتَحَلِّبِ
54- كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ … عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُخَضَّبِ
55- وَأَنْتَ إِذَا اسْتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ … بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَصْهَبِ