مقالات

ضرورة تعريب العلوم

تعريب العلوم

 إذا سافرت حول العالم أو بحثت حول لغات الدراسة في دول العالم المختلفة. فلن تجد إلا الدول العربية وبعض دول آسيا وإفريقيا تدرس العلوم في الجامعات والمدارس بلغات أجنبية. الإنجليزية غالبا ثم الفرنسية، بينما تحرص كل أمة أخرى مهما كانت صغيرة العدد على ترجمة العلوم ودراستها بلغتها الوطنية. حتى اللغات التي لا يتكلمها إلا عدد قليل جدا، كلغة فنلندا وكرواتيا.

يثار موضوع تعريب العلوم من آن لآخر في مجتمعاتنا العربية ويثار حوله اللغط. فبينما يرى البعض ضرورة تعريبها كي تنتشر بين الناس، يرى آخرون أن الدراسة ينبغي أن تظل باللغات الأجنبية لأنها لغات العلم. وقد جمعت لك في هذا المقال ما نخرج منه بصورة وافية.

حقائق عن لغات التعليم.

الدراسة باللغات الوطنية هي الواقع في أغلب دول العالم وليست الاستثناء كما يتخيل البعض. بما في ذلك دول تقترب جدا في الظروف الاقتصادية والسياسية من الدول العربية، فما يسري على تلك الدول يسري علينا. 

ففي إيران: تدرس كل العلوم باللغة الفارسية.
وفي البرازيل: تدرس كل المقررات باللغة البرتغالية.أما في
 دول أمريكا الجنوبية مثل المكسيك وكوبا وكولومبيا والأرجنتين وبقية الدول تدرس كل العلوم باللغة الإسبانية.

وفي آسيا تدرس إندونيسيا بلغتها، وهي دولة تتشابه كثيرا في عاداتها ومستوى معيشتها ودينها مع الدول العربية. كذلك كوريا الجنوبية والصين واليابان، مع بعض المصطلحات التي تنقل في اليابان بأصلها اللاتيني.

أما في دول أوروبا: فكلها بلا استثناء تدرس بلغتها المحلية. فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وروسيا، حتى الدول الصغيرة مثل فنلندا وكرواتيا تترجم العلوم للغاتها.


التعليم باللغة العربية أسهل. 

يقول خبراء التعليم أن التعليم باللغة الوطنية أسهل بكثير على المتحدثين بها. لأن المعلومات تدخل إلى العقل مباشرة دون بذل جهد كبير، فالعقل يفكر باللغة الأم، وعندما يسمع بلغة أخرى فإنه يحتاج أن تترجم المعلومات أولا وهذا يستهلك في أكثر الطاقة في الدرس. 

تعريب العلوم يجعلها أقرب لحياة الناس اليومية، ويسهل وصول الكثيرين لها والتفاعل معها، وبهذا تزول المسافات وينتشر العلم بين الجميع. 

وقد جربت هذا بنفسي، وأنا الذي درست الصيدلة باللغة الإنجليزية. فكنا نضيع الوقت في ترجمة الكلمات ثم إعادة تركيبها بالعربية كي نفهم، أو نحفظها كما هي. ويظل هذا حال معظم الطلبة.

التعليم باللغة الأجنبية يضيع علينا سنوات الطفولة المهمة.

يفهم الطفل المعلومات بسرعة ويتشربها، والعلم في الصغر كالنقش على الحجر فعلا. وهذا ليس شعارا، بل حقيقة مجربة. فإذا أضعنا عمر الطفل في حفظ لغة أخرى. فنحن نضيع فرصة للتعلم في أجمل سنوات حياته في جهد كان يمكن استغلاله في العلوم ذاتها. 


استغلال الهوية القومية لصالح العلم. 

التعليم باللغة العربية علامة سيادة وهوية، يحفز شعورا وطنيا بالفخر يدفع الناس للبناء والتنمية، ينقطع هذا الشعور تماما إذا تعلم الطلاب بلغة أجنبية تخص دولا أخرى،  ولهذا فقد أصبح تعريب العلوم مطلبا منطقيا لا غرابة فيه.

 

وهكذا ندرك أن الدول العربية في العصر الحالي وبعض الدول الآسيوية هي الاستثناء من القاعدة، فهي التي تتبع غيرها تبعية ثقافية ونفسية وتدرس بلغات غير لغاتها، فيما بقية العالم يحرص على التدريس بلغاته الوطنية.

 

 

لماذا تحرص الدول على التعليم بلغتها؟

 

اللغة هي وسيلة التواصل وتبادل الأفكار بين أفراد كل مجتمع، بل هي أعمق من وسيلة تواصل. لأنها طريقة تفكير ووسيلة يعرف بها الإنسان عن نفسه، كل لغة هي وعاء ثقافي كامل ووسيلة تفكير، فهذا يعرف نفسه أمام العالم بأنه عربي وهذا إنجليزي وهذا فرنسي.

كما أن تعلم لغة ثانية يحتاج من الإنسان وقتا، والتواصل بها يحتاج جهدا في التفكير وترجمة داخل الذهن. ولا يمكن للإنسان أن ينتقل من لغة إلى أخرى ببساطة، وكل هذا جهد زائد ينبغي حذفه من الدراسة، فالدراسة باللغة الوطنية اليومية بتعريب العلوم أسهل كثيرا. 

واللغة أيضا تغذي الشعور الوطني والفخر والانتماء بشيء أكبر، فيتحفز الإنسان للعمل بدافع الغيرة على بلاده ومحبتها والرغبة في رفعتها، وكل هذه المعاني تتبخر تماما إذا تكلمت بلغة الآخرين ومعها عقلهم، حينها تصبح مجرد تابع.

 

 

هل يمكن دراسة الطب بالعربية؟

 

بالطبع يمكن دراسة أي شيء باللغة العربية، كما تدرس كل الدول بلغاتها. وقد كانت العلوم تدرس باللغة العربية لعدة قرون من الزمان.

وقد بدأت دراسة الطب في مصر بالفعل باللغة العربية، وكانت أول كلية للطب في مصر سنة 1827 في أبي زعبل.  وكانت أول محاولة لتعريب العلوم في الوطن العربي. واستمرت الدراسة فترة بالعربية فترة حتى قدوم المستعمر الإنجليزي الذي غيرها.

اللغة العربية أكثر تركيبا وتنويعا في طرق التعبير من لغات كثيرة أخرى، وهذا أمر يعده غير المتخصص تعقيدا، لكنه يعني أنها أكثر دقة في التعبير عن المعاني لما لها من أساليب متنوعة، وقد كانت هي لغة العلم فعلا زمنا طويلا يعرفه من قرأ تاريخ العلوم،  فلا يحتاج هذا الأمر إلى كثير إثبات.

وقد كتب الدكتور المصري الراحل مصطفى علي مشرفة مقالاته العلمية بلغة عربية رصينة. ونشرت في كتاب سمي (مُطالعات علمية). والكتاب ذو متن رصين ونفس علمي واضح، لكن هذا كان في الأيام التي كنا فيها نحترم العربية.

 

فارق بين معرفة اللغات الأجنبية، وبين العيش بها. 

تعلم اللغة الإنجليزية واجب في هذا العصر، لأنها اللغة الوسيطة في العالم. ولها ثقافة علمية قائمة بالفعل، ويحتاج الجميع إلى التواصل معها. والتواصل تحديدا هو فائدة تعلم اللغات، كي نستفيد من علومها ولا ننعزل على العالم. فتعلم لغاتها شرط كي لا تتخلف أوطاننا عن الركب. 

أما العيش والتحدث باللغة الأجنبية وحشر كلماتها في ثنايا الحديث، فيدل على ارتباط قلبي مع أهلها وانفصال عن وطنك.  ويعني أنك ستظل مرتبطا بالآخرين ارتباطا تبعيا. فتعلم اللغة واجب أما الحديث اليومي بها فجريمة في حق وطنك ونفسك.  

التحدث باللغات الأجنبية له أسباب نفسية.

 

الحاجز الذي نقيمه بين العلوم والتعريب هو حاجز نفسي، فبعض العرب يتحدث باللغات الأجنبية ليظهر أكثر حداثة، ويتبع ذلك أنه يريد التعلم بتلك اللغات، فقد طال بنا العهد ونحن ندرس العلوم باللغات الأجنبية حتى ظننا أنه الأصل.

 

وللأسف، ينظر إلى التحدث باللغات الأجنبية كعلامة تطور وترق اجتماعي في مجتمعاتنا، وتحرص الطبقات الأغنى على مزج الكلمات الإنجليزية أو الفرنسية بشكل واضح في حديثها، وجزء من الحرص على هذا هو الرغبة في التميز الاجتماعي، وهذه حالة نفسية لا توجد إلا عند الدول المتأخرة التي لا تثق في نفسها بشكل عام.

 

 

 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي