شرح القصائد

أفاطم قبل بينك متعيني – للمثقب العبدي مع الشرح والكلمات

أفاطم قبل بينك متعيني - المثقب العبدي

شرح قصيدة المثقب العبدي أفاطم قبل بينك متعيني مع بيان معاني الكلمات، للشرح الأوسع، يرجي زيارة قناتنا على يوتيوب، الرابط يظهر في الموقع.

موضوع القصيدة هو الشك في نية صاحبه الملك عمرو بن هند، وعدم تيقنه من صداقته، فيطلب منه أن يكون صادقا معه وأن يظهر نواياه. وعبر عن القلق الذي يساوره في الحديث مع حبيبة متخيلة ومنظر رحلتها بعيدا عنه ثم ارتحاله إلى صاحبه على ظهر الناقة ومشقة السفر أن يقابله ليواجهه بشكوكه.

1- أَفَاطِمَ قَبْلَ بَيْنِكِ مَتِّعِينِي … وَمَنْعُكِ مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبِينِي

أفاطم: الهمزة للنداء، وفاطم من الفطم وهو القطع، سمى حبيبته فاطمة ليشير إلى أنها تقطع وصاله.
البين: هو البعد والفراق.
متعيني: متع النهار أي اكتمل، أي أعطيني حقي كاملا.

يخاطب حبيبة متخيلة كنى بها عن الملك عمرو بن هند: يا قاطعة الوصل أعطني حقي كاملا قبل أن تفارقيني، وإذا ما منعت ما أريد فهذا كأنه فراق بيننا. 
 
2- فَلَا تَعِدِي مَوَاعِدَ كَاذِبَاتٍ … تَخِرُّ بِهَا رِيَاحُ الصَّيفِ

تخر بها رياح الصيف: تذهب بها. 

لا تعدني وعودا كاذبة، كأنها ريح الصيف التي لا تأتي بخير.

3- فَإِنِّي لَوْ تُخَالِفُنِي شِمَالِي … خِلَافَكِ مَا وَصَلْتُ بِهَا يَمِينِي

لو خالفتني يدي اليسرى مثلما تخالفني لن أسلم عليها بيدي اليمنى، كناية عن شدة ما يجده من مخالفة صاحبه. 

4- إِذَا لَقَطَعْتُهَا وَلَقُلْتُ بِينِي … كَذَلِكَ أَجْتَوِي مَنْ يَجْتَوِينِي

أجتوي: أي أكره. 

إذا فعلت يدي هذا سأقطعها، وكذلك أكره من يكرهني. 

فصل: مشهد الحبيبات المسافرات. 


5- لِمَنْ ظُعُنٌ تُطَالِعُ مِنْ صُبَيْبٍ … فَمَا خَرَجَتْ مِنَ الوَادِي لِحِينِ

الظعن: المسافرات.
صُبيب: اسم موضع.
لِحين: أي حتى الآن. 

يتساءل عن المسافرات اللاتي يغادرن المكان، كناية عن الصداقة المغادرة وحالة الشك التي تنتابه.

6- مَرَرْنَ عَلَى شَرَافِ فَذَاتِ رَجْلٍ … وَنَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ بِاليَمِينِ

شَرَافِ وذات رَجْلٍ والذرانح: أسماء مواضع. 
نكَّب: أي تجنبه وتركه. 

7- وَهُنَّ كَذَاكَ حِينَ قَطَعْنَ فَلْجًا … كَأَنَّ حُمُولَهُنَّ عَلَى سَفِينِ

فلجا: نهرا أو حاجزا في الطريق

وما زلن في هذه الحالة حين قطعن نهرا في المنتصف، حمولهن كبيرة كأنها على سفن كثيرة. 

8- يُشَبَّهْنَ السَّفِينَ وَهُنَّ بُخْتٌ … عُرَاضَاتُ الأَبَاهِرِ وَالشُّؤُونِ

البخت: الإبل الطويلة.
الأباهر: عروق الجسد.
الشؤون: عروق الوجه.

تشبه الجمال بالسفن لضخامتها، وهي كبيرة العروق في الجسد والجبهة.

9- وَهُنَّ عَلَى الرَّجَائِزِ وَاكِنَاتٌ … قَوَاتِلُ كُلِّ أَشْجَعَ مُسْتِكِينِ

الرجائز: الهوادج التي تهتز مع الرَّجَزْ: إنشاد الشعر.
واكِنات: أي مستقرة.
أشجع: الرجل الشجاع.
مستكين: من الاستكانة وهي الخضوع.

هذه النساء مستقرة على هوادجها الراحلة على شعر الحادي، يقتلن كل شجاع قوي إذا خضع لهن. 

10- كَغِزْلَانٍ خَذَلْنَ بِذَاتِ ضَالٍ … تَنُوشُ الدَّنِيَاتِ مِنَ الغُصُونِ

خذلت الغزالة: أي تركت أصحابها وانقطعت. 
ذات ضال: أرض بها شجر الضال، سمي كذلك لأنه يحجب ما وراءه. 
تنوش: تأخذ بخفة.

شبه الفتيات المسافرات بالغزالة في جمالها وفي خذلانها لإخوانها وتركهم. 

11- ظَهَرْنَ بِكِلَّةٍ وَسَدَلْنَ أُخْرَى … وَثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ لِلْعُيُونِ

الكلة: الستارة الخفيفة
سدلن: أنزلن
الوصاوص: الخمار الصغير على الوجه.

تظهر الفتيات من الستائر مرة وتختفين مرة، وقد ثقبت خمارها لترى القادم فيما هو لا يراها، كناية عن الغموض الحيرة. 

ولأجل هذا البيت سمي المثقب العبدي بهذا اللقب. 

12- وَهُنَّ عَلَى الظِّلَامِ مُطَلَّبَاتٌ … طَوِيلَاتُ الذَّوَائِبِ وَالقُرُونِ

الظِّلام: بكسر الظاء، بمعنى الظلم، وليست الظلام التي هو السواد وعكس النور.
مطلبات: مطلوبات بشدة: أي أن هذه النساء يطلبها الرجل بشدة ويرغب فيها،
الذوائب: شعر الناصية الذي ينزل على الجبهة ومقدمة الرأس
والقرون: هي ضفائر الشعر

ورغم ظلم الفتيات لنا وقسوتهم علينا، فإننا نطلبهم ونرغب فيهن بشدة، كناية عن كل ما يريد ويطلب، ويصفهن باكتمال الجمال وغزارة الشعر الذي ترسله ذوائب، أي ضفائر، وكذلك على جبهاتهن. 

13- وَمِنْ ذَهَبٍ يَلُوحُ عَلَى تَرِيبٍ … كَلَوْنِ العَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ

يلوح: يظهر أو يبدو
تريب: هي عظام الصدر العليا وموضع القلادة، جمعها ترائب التي وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: يخرج من بين الصلب والترائب.
العاج: هو ناب الفيل، وهو عنصر ثقيل نفيس. 
غضون: الكسر والثنايا على الجلد.

يمتدح جمال الفتيات، فهي ترتدي قلائد الذهب على صدورها الذي بلون العاج، وجلدها لين بلا تجعدات.

14- إِذَا مَا فُتْنَهُ يَوْمًا بِرَهْنٍ … يَعِزُّ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِحِينِ

فتنه: فات أي ذهب وانقضى، ضاعت عليه الفرصة، إي إذا ضاعت عليه الفتيات
رهن: الرهن هو عقد يلتزم صاحبه أن يعطي ضمانة، فإذا لم ينفذ الاتفاق ذهبت الضمانة.
يعز: أي يشتد على قلبه ويسبب له الهم.

يقول إذا فوت الفرصة وضاعت عليه الفتيات فإنها ستأخذ قلبه وتستحوذ عليه، فهي تسبب له العذاب.

15- بِتَلْهِيَةٍ أَرِيشُ بِهَا سِهَامِي … تَبُذُّ المُرْشِقَاتِ مِنَ القَطِينِ

تلهية: مصدر من اللهو، أي ما يفعله الإنسان ليتلهى، يشغل نفسه وينسى همومه.
أريش: يريش السهام أي يركب لها الريش لتكون صالحة للرمي.
تبذ: تفوق وتسبق.
المرشقات: الرشق هو الرمي بالأسهم والنبال، وتسمى الفتاة الجميلة مرشقة كأنها ترمي بأسهم من عيونها فتقتل الرجل، وهو تشبيه في غاية الجمال.
القطين: جماعات الركاب في القافلة.

المعنى أنه يلهي نفسه عن التفكير بالفتيات بتركيب الريش للأسهم، ليتفوق على هذه النسوة شديدة الجمال والتي ترمي الرجال بعيونها الخطر. 

16- عَلَوْنَ رَبَاوةً وَهَبَطْنَ غَيْبًا … فَلَمْ يَرْجِعْنَ قَائِلَةً لِحِينِ

رباوة: مثل الربوة، هي ما ارتفع من الأرض بين سهلين، أي أرض مرتفعة بنعومة تحيط بها أراض منخفضة.
غيبا: يقصد أرضا مجهولة غير مرئية.
لم يرجعن قائلة: أي أنها لا ترد على من يسألها ولا تجيبك من أمرها شيئا.

حاصل المعنى أن النسوة تعلو الأراضي العالية فيمكن رؤية قافلتها، أو تخيل رؤيتها، ثم تنزل أراض منخفضة مجهولة كناية عن جهل الشاعر بحالهن.

17- فَقُلْتُ لِبَعْضِهِنَّ وَشُدَّ رَحْلِي … لِهَاجِرَةٍ نَصَبْتُ لَهَا جَبِينِي

شد رحلي: الرحل ما يوضع على ظهر البعير من متاع، وشد الرحل أي شدت الحبال وثبتت الأمتعة وحملت وجهزت فوق ظهر الدابة
لهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر.
نصبت لها جبيني: نصب أي رفع وأقام، نصب جبينه أي أوقف نفسه تحت الشمس

عندما رأى رحيل الفتيات ورأى أنهن غادرن دون أن يعرف عنهن شيئا ودون رد، تحدث لبعضهن، في خياله طبعا وبلسان الحال لا الحقيقة. بينما كان يقف تحت الشمس الحارقة في شدة حرارتها ويجهز نفسه للسفر.

 ماذا قال؟ يكتمل المعنى في البيت التالي.

18- لَعَلَّكِ إِنْ صَرَمْتِ الحَبْلَ مِنِّي … كَذَاكِ أَكُونُ مُصْحِبَتِي قَرُونِي

صرمتِ: قطعت، وهذه اللفظة مستعملة كثيرا في الشعر الجاهلي، فيقولون صرمت والصرم والصريمة. صرمت الحبل أي قطعت الوصل بيني وبينك.
مصحبتي: من المصاحبة، أي مصاحبة لي.
قَروني: القرون هي النفس. يقال أخذت قروني من الأمر، أي أخذت حاجتي.

وعلى هذا يكون المعنى: خاطب الفتيات في ذهني: لو قطعتي الحبل مني، أي لو قطعت الوصل، يكون ما بيننا قد انتهى، أكون قد أخذت حاجتي منكم، ولا حاجة لي معكم وأن هذا إيذان بالافتراق النهائي، فربما يكون خيرا أن نفترق ولا أراكم.

فصل: رحلة شاقة على ظهر الناقة. 

19- فَسَلِّ الهَمَّ عَنْكَ بِذَاتِ لَوْثٍ … عُذَافِرَةٍ كَمِطْرَقِةِ القُيُونِ

سَلِّ: السُّلوان هو النسيان، وسلى أحزانه أي خففها عنه لينساها.
ذات لوث: اللوث هو الطواف والحركة وإثارة الغبار أثناء ذلك، وسمي الأسد ليثا لأنه يلوث حول فريسته أي يدور حولها، فمعنى ذات لوث، أي ناقة ذات لوث تثير الأرض وهي تمشي بقوة.
عُذافرة: العذافرة من الحيوان الإبل والجمال هي القوية مكتنزة اللحم
القيون: معناها الصناع والحدادون، مطرقة القيون أي المطرقة الحديدة التي يطرق بها الصانع لضرب الحديد.

يقول انس أحزانك بالركوب على ناقة ذات لوث، أي ذات قوة ومثيرة للأرض، قوية مكتنزة اللحم وصلبة كأنها مطرقة الحداد، هذه الناقة القوية هي القادرة على أخذه إلى أي مكان.  

20- بِصَادِقَةِ الوَجِيفِ كَأَنَّ هِرًّا … يُبَارِيهَا وَيَأْخُذُ بِالوَضِينِ

صادقة الوجيف: الصادق في أي أمر أي القوي فيه، والوجيف هو السير السريع، وفي القرآن الكريم، فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب.
هرا: يقصد حيوانا مفترسا من جنس الهررة، أي الأسود والنمور ونحو ذلك، وكانت هذه الحيوانات تعيش في البيئة العربية قديما قبل أن يفنيها الصيد.
يباريها: ينافسها في الجري ويسابقها.
الوضين: حزام عريض يشد به الحيوان من الأعلى إلى الأسفل عند الصدر وتربط به الأرحل أي الأمتعة، يسمى الآن البِطَان.

يصف الناقة بأنها قوية في سيرها السريع مؤتمنة موثوقة، تجري بسرعة كأنها تهرب من أسد يجري بجانبها ويحاول نهشها ويشد حزامها، فهي تنافسه وتجري منه بأقصى سرعة، أي أنها بالغة السرعة وتجري بأقصى قوتها كأنها تهرب بحياتها.

21- كَسَاهَا تَامِكًا قَرِدًا عَلَيْهَا … سَوَادِيُّ الرَّضِيحِ مَعَ اللَّجِينِ

تامكا: التامك هو السنام الكبير على ظهر الناقة
قردا: المتلبد، قرد الشعر أي تلبد وتشعث، ولهذا تسمى به حيوان القرد، لأنه مشعث
سوادي: أي أسود اللون
الرضيح: المرضوح، أي المكسر والمدقوق. كانوا يطحنون نوى التمر ويعلفون به الإبل فتسمن.
اللجين: هوالعجين. كل ما خلط بالماء من دقيق ونخالة حتى يتلبد فهو لجين، أي أنها تأكل أعلافا تصنع لها.

يقول أن هذه الناقة قوية، وقد أعطاها العلف الغني من نوى التمر المدقوق وغيره من أصناف العلف سناما كبيرا متلبدا فوق ظهرها.

22- إِذَا قَلِقَتْ أَشُدُّ لَهَا سِنَافًا … أَمَامَ الزَّورِ مِنْ قَلَقِ الوَضِينِ

قلقت: تزعزعت من الحركة، تتقلقل الناقة أن تضطرب وتهتز من قوتها.
سنافا: ذكر المفسرون أنه حزام إضافي يثبت على الدابة ليزيد ربطها
الزور: العظم الذي في وسط الصدر، أو هو الصدر نفسه.
الوضين: هو الحزام الأساسي االذي يربط من الأعلى للأسفل عند الصدر.

إذا ازداد قلق الناقة واضطرابها وخشي أن تسقط أمتعتها شدها وربطها بحزام أخر على صدرها ليهدأ اضطرابها.

 اضطراب الناقة الزائد يعبر عن اضطرابه هو، وهو مثلها يحتاج إلى شيء آخر يهدء الاضطراب في صدره أيضا.

23- كَأَنَّ مَوَاضِعَ الثَّفِنَاتِ مِنْهَا … مُعَرَّسُ بَاكِرَاتُ الوِرْدُ جُونِ

الثفنات: هو الجزء الذي تبرك به الناقة على الأرض فيخشن جلده، ويكون عند ركبة الحيوان وصدره، في مكان يسمى الكركرة.
معرس: المكان الذي تعرس فيه أي تنزل.
باكرات الورد: التي تأتي الماء مبكرة، يقصد طيور القطا، ذكرها بصفة معروفة عنها، فهي تأتي للماء أسرابا كثيرة في الصباح
جون: لونها أسمر.

يصف صلابة جسد الناقة، يقول أن هذه المواضع التي تجلس عليها وتحتك بها من جسدها غليظة وقد أصبحت سوداء من كثرة القيام والقعود، كأنها مواضع طيور القطا في الأرض، أي أن هذه الناقة صلبة جدا ومجربة.

واستدعاء طيور القطا له دلالة أيضا، لأنه طير يسرع إلى حاجته في أول النهار، وهو معروف بهذه الصفة، كما يريد أن يسرع المثقب إلى حاجته.

24 يَجُذُّ تَنَفُّسُ الصُّعَدَاءِ مِنْهَا … قُوَى النِّسْعِ المُحَرَّمِ ذِي المُتُونِ

يجذ: يكسر أو يقطع.
الصعداء: الشهيق الذي يصعد في الأنف، الهواء الداخل إلى الجوف.
النسع: هو السير الذي تربط به الناقة ويضغط على جلدها.
المحرم ذي المتون: يعني أن السير مشدد وبه نتوءات وعقد تقويه.

المعنى أن قوة نفسها وعضلات صدرها قوية جدا بحيث تقطع السيور المقواة ذات البروزات، أي أنها قوية جدا.

25- تَصُكُّ الحَالِبَيْنِ بِمُشْفَتِرٍّ … لَهُ صَوْتٌ أَبَحُّ مِنَ الرَّنِينِ

تصك: صك الباب أي أغلقه وأطبقه بشدة، فالصك هو الارتطام والإطباق بقوة
الحالبين: عرقان في بطن الجمل حول السرة.
مشفتر: الشفر أصلها هو الجانب أو الناحية، والمشفتر هنا تعني الحصى الذي يتشقق تحت قدمها والذي تبعثره الناقة أثناء ضربها الأرض بقوة. 
أبح: هو الصوت المقطوع كأنه من علة أي من مرض، أي هو وصف لصوت الحصى وهو يحتك ببعضه.
الرنين: هو صوت احتكاك المعادن والحصى.

صورة أخرى لقوتها، تضرب الحصى بقدمها فيتطاير منه جزء ويضرب عروق بطنها، ويكون لتطاير الحصى صوت رنين معدني مبحوح.

26- كَأَنَّ نَفِيَّ مَا تَنْفِي يَدَاهَا … قِذَافُ غَرِيبَةٍ بِيَدَيْ مُعِينِ

نفي: نفي الريح هو ما تقذفه من تراب فيقع على أصول الحائط، يقصد ما ترمي به من الحصى والغبار وهي تجري
قذاف: هو ما ملأت به يدك ثم قذفته أي حذفته بقوة.
غريبة: أي ناقة دخيلة أو حيوان دخيل ليس من المكان.
معين: الأجير، مشتقة ممن يعين الرجل على أعماله، وقال الأصمعي أنه لا يعرفها بهذا المعنى ولعلها لغة بحرانية.

الحصى الذي تضربه وهي تجري ينطلق قويا كأنه مقذوف قذفا باليد، وليس مجرد دفع خفيف. شبهها عندما يرمي الخدم والصبيان شخصا أو حيوانا غريبا يدخل المكان، فيقذفونه بقوة بالحصى، وربما يستدعي هذه الصورة ليظهر أنه كالغريب غير المرغوب فيه الذي يقذف بقوة أيضا.

27- تَسُدُّ بِدَائِمِ الخَطَرَانِ جَثْلٍ … خَوَايَةَ فَرْجِ مِقْلَاتٍ دَهِينِ

الخطران: هو الحركة، ويخطر أي يمشي وهو يهتز ويتراقص.
جثل: كثير الشعر وسابغه.
الخواية: هي الفرجة بين اليدين والرجلين و الفرج بنفس المعنى تقريبا، يشير إلى موضع فرجها.
مقلات: هي الأنثى التي ليس يموت اولادها، أو التي تضع واحدا ثم لا تحمل.
دهين: تأتي بمعنى ضعيف ضامر، فيقال ولد دهين أي ضعيف، والدِّهان هو المطر الضعيف.

أي أنها تسد فرجها وتمنعه بذيلها دائم الحركة، وهذه الصفات تدل على قوة الناقة، فهي لا تحمل ولا يعيش لها أولاد فتضعف في إرضاعهم، وهي نشيطة تحرك ذيلها دائما وتمنع الذكر أن يقترب منها.

28- وَتَسْمَعُ لِلذُّبَابِ إِذَا تَغَنَّى … كَتَغْرِيدِ الحَمَامِ عَلَى الوُكُونِ

للذباب: كل الحشرات التي تذب، ويطلق على كثير من الحشرات المجنحة.
تغريد الحمام: هو غنائه وهو صوت الهديل.
الوكون: أعشاش الطيور.

قال الأصمعي أنه يقصد صوت احتكاك نابها، وهو أقرب لسياق الأبيات في وصف قوتها، ويروى البيت أيضا وتسمع للنيوب، أي الانياب، وهو ما يقوي هذا المعنى.

تغريد الحمام الذي هو صوت الهديل صوت حزين يضرب به المثل في الحزن، يصف حزن الناقة وهي تسير في هذه الرحلة، كأنه هديل الحمام.

29- فَأَلْقَيْتُ الزِّمَامَ لَهَا فَنَامَتْ … لِعَادَتِهَا مِنَ السَّدَفِ المُبِينِ

الزمام: هو الحبل الذي تربط منه الدابة وتقاد.
السدف: هو ما يسدف أي ينزل من الاعلى، كالستائر ونحو ذلك، ويقصد هبوط الليل والنهار.
المبين: الظاهر، يقصد نور النهار الذي يظهر الأشياء.

من عادة العرب أن يسيروا ليلا في الأسفار الطويلة خاصة في موسم القيظ تجنبا للحرارة الشديدة، وهذا هو السرى. والمعنى أنه يظل يسير بها طوال الليل حتى إذا جاء النهار تركها لتنام.

30- كَأَنَّ مُنَاخَهَا مُلْقَى لِجَامٍ … عَلَى مَعْزَائِهَا وَعَلى الوجين

المناخ: الموضع الذي ينيخ الناقة فيه بمعنى ينزلها على الأرض لتقعد.
ملقي لجام: المكان الذي يلقى فيه اللجام أو بحجم اللجام فقط.
المعزاء: هي الأرض الصلبة وكثيرة الحصى.
الوجين: الحجارة والشاطئ الصلب.

يقول أن المكان الذي ترقد فيه لتنام صغير كأنه موضع لجام فقط، أي أنها لا تفترش الأرض افتراشا بل تضيق جسدها على قطعة صغيرة من الأرض الصلبة ذات الحصى أو الحجارة، ربما لحرارة الأرض، فلا تقدر أن تفترش الحصى الساخن.

31- كَأَنَّ الكُورَ وَالأَنْسَاعَ مِنْهَا … عَلَى قَرْوَاءَ مَاهِرَةٍ دَهِينِ

الكور: ما تكور أي تجمع من المتاع والحبال ونحو ذلك.
الأنساع: جمع نسع وهو السير الذي تربط به.
قرواء: طويلة القرا أي الظهر.
ماهرة: الماهر هو الحاذق والمتمكن في أمر.
دهين: هنا دهين بمعنى اللتي تلمع كأنها مدهونة، ويقصد عرقها بسبب الإجهاد والحرارة.

يشبهها بالسفينة لكبرها، كأن الحبال والسيور ونحو ذلك مركبة على سفينة كبيرة ماهرة التوجيه وتلمع بسبب الماء عليها.

32- يَشُقُّ المَاءَ جُؤْجُؤُهَا وَيَعْلُو … غَوَارِبُ كُلِّ ذِي حَدَبٍ بَطِينِ

جؤجؤها: مجتمع عظام الصدر أو مقدمه في الرجل والحيوان.
غوارب: الغوارب من كل شيء أعلاه وحده.
حدب: هو الشيء المرتفع ويقصد سنامها.
بطين: العالي منها، والبطين أيضا تطلق على الكبير البعيد.

عندما ترى الماء بعد كل هذا الإرهاق تندفع فيه بصدرها فتشق الماء شقا، تنزل بسنامها وأطرافها حتى يعلوها الماء، وشبهها بالسفينة تنزل فيه، أي أنها تكاد تغرق في الماء من شدة اندفاعها وطول عطشها وشوقها له.


33- غَدَتْ قَوْدَاءَ مُنْشَقًّا نَسَاهَا … تَجَاسَرُ بِالنُّخَاعِ وَبِالوَتِينِ

قوداء: طويلة العنق.
منشقا: أي تتشقق عضلاتها وهذا بسبب القوة، مثلنا نرى في لاعبي كمال الأجسام وتشققات أجسادهم.
نساها: عرق في باطن الفخذ، وهو يظهر عندما تكون الناقة قوية.
تجاسر: بمعنى اجترأ وأقدم، تستعين بهما لتجري.
النخاع: النخاع من كل شيء داخله من العمق، يقصد عروقها وأوتارها الداخلية.
الوتين: الشريان الكبير، ومنه تستمد الأعضاء قوتها.

يصف قوتها، فهي كلاعبي كمال الأجسام ذوي العضلات في عصرنا، عضلات منتفخة ومشققة وعروق كبيرة تظهر بينها. ويصفها بأنها طويلة العنق، تدفعها عروق فخذها القوية وشرايينها.

34- إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ … تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ

أرحلها: أي يضع عليها الرحل والأمتعة لتواصل السير، يجهزها للرحيل مرة أخرى.
تأوه: أي تتأوه: تأوه أي تشكى وتوجع بقول اه اه، أي مثلما يتأوه الرجل الحزين.

المعنى إذا قام يجهزها لجولة جديدة من الترحال ليلا تأوهت وتشكت كما يفعل الرجل الحزين.

35- تَقُولُ إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي … أَهَذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِينِي

درأت: الدرأ هو الدفع، درأه لها أي دفعه نحوها ليضعه عليها.
وضيني: قلنا أنه الحزام الذي يثبت على الناقة، ويسمى الآن البطان.
أهذا: الهمزة للاستفهام.
دينه وديني: كلمة الدين في الأصل هي العادة المستمرة، ومنه اشتق معنى الدين الذي هو الشعائر وعبادة الله، لأنه أمر مستمر وملازم، وعندما تأتي في الشعر الجاهلي تكون عادة بهذا المعنى.

أي أنه عندما يقوم للناقة بالحزام وعدة السفر ليركبه عليها ويضع الأرحال ونحو ذلك، تبدأ في الشكوى متساءلة، هل ستكون هذه عادتي الدائمة معه؟ هل سيظن يتعبني هكذا بلا توقف؟

36- أَكُلَّ الدَّهْرِ حَلٌّ وَارْتِحَالٌ … أَمَا يُبْقِي عَلَيَّ وَمَا يَقِينِي

أكل: الهمزة للاستفهام.
الدهر: الزمان الطويل، أو مدة الحياة كلها.
حل: الحل هو النزول في الأرض، يحلون في المكان أي ينزلون فيه.
ارتحال: هو السفر، ومغادرة المكان.
يبقي علي: يحفظني.
يقيني: يحميني  وهذا جناس أيضا.

تتسائل الناقة، هل سنظل طول الزمان في نزول وسفر وتنقل من مكان لآخر؟ دلالة على القلق الدائم الذي يعاني منه الشاعر مع الملك عمرو بن هند، ألا يريد أن يبقي علي أو يحميني من مشقة السفر، أم أنه يريد أن يقتلني؟

وفي البيت جناس: وهو أن تتشابه الكلمات في الألفاظ وتختلف في المعنى، جناس بين حل وارتحال، وجناس آخر بين يبقي ويقي، الجناس هنا ناقص لأن الألفاظ لا تتطابق تماما، فإذا تطابقت تماما أصبح جناسا تاما.

37- فَأَبْقَى بَاطِلِي وَالجِدُّ مِنْهَا … كَدُكَّانِ الدَّرَابِنَةِ المَطِينِ

الباطل: هو كل ضلال وما لا فائدة فيه، يسمي جهده باطلا لأنه بلا فائدة كما يراه.
الجد: التعب والمجهود.
الدكان هو المتجر.
الدرابنة: المفرد دربان، وهذه الكلمة فارسية دخلت لغة العرب، وكانت قبيلة الشاعر تعيش شرق الجزيرة مختلطة بالفرس، وتعنى الباب.
المطين: يعني الذي تلوث بالطين.

يعني أن كثرة ذهابه وأسفاره وسيره في الليل بلا فائدة، فالشاعر يرى أن كل ما يفعله قد يكون بلا فائدة،  وقد جعل الناقة تهزل جدا حتى أصبحت رفيعة كأنها بوابة الحانوت الخشبية، وقد علاها الطين والأقذار. كأنها خشبة حانوت قديم.

38- ثَنَيْتُ زِمَامَهَا وَوَضَعْتُ رَحْلِي … وَنُمْرَقَةً رَفَدْتُ بِهَا يَمِينِي

زمامها: هو الحبل الذي يربط به الحيوان ويوجه.
رحلي: كما مر بنا هو الأمتعة التي توضع على حيوان السفر.
نمرقة: النمرق هي الوسادة التي يتكأ عليها، وفي القرآن الكريم: ونمارق مصفوفة.
رفدت: رفد الحائط أي يسنده ودعمه.

يصفه قيامه بها، ثني زمام الحيوان في يده ليقوم، ووضع عليها متاعه ووسادة يسند عليها جانبه، أي أنه جهز نفسه للقيام والدخول على عمرو بن هند.


39- فَرُحْتُ بِهَا تُعَارِضُ مُسْبَطِرًّا … عَلَى صَحْصَاحِهِ وَعَلَى المُتُونِ

تعارض: يعارض فلانا أي باراه وفعل مثله، فالمعنى أنها تقوم إلى الطريق لتسير بإزائه.
مسبطرا: هو الطريق الممتد.
صحصاحه: صحصاح الطريق هو المستوي منه.
المتون: هو ما علا على الأرض.

فقام بالناقة يسير في طرق طويلة ممتدة، منها هو ما واضح مستقيم سهل السير ومنها أراض عالية صعبة السير.

40- إِلَى عَمْروٍ وَمِنْ عَمْروٍ أَتَتْنِي … أَخِي النَّجَدَاتِ وَالحِلْمِ الرَّصِينِ

عمرو: هو الملك عمرو بن هند.
أخي النجدات: صاحب النجدات، والنجدة هي الإغاثة وإسعاف المحتاج.
الحلم: العقل.
الرصين: هو المحكم والمتين.

يقول أن الناقة أخذتني كل هذا الطريق إلى عمرو، ومن عمرو أتتي الريبة، فالأخبار التي أقلقته أتت من هذا الرجل وإليه يذهب ليستوضح، ويمدحه بما يتماشى مع السياق لإبداء حسن الظن، فيقول أن عمرا هو صاحب النجدات ولن يتأخر عن مساندة صديقه، وهو كذلك صاحب عقل وسيقدر الامور حق تقديرها.

في هذا البيت يرى الأصمعي أن عمرو المقصود ليس عمرو بن هند الملك، لأنه كما يقول لا يمكن أن يخاطب الملك بهذه الطريقة، وهذا صحيح للوهلة الأولى، لكن سيرة الشاعر تكشف أنه كان على علاقة بالملك وأخيه وأنه كان يوجه لهم الكلام بصيغة المساواة والأخ ولا يرى نفسه أقل منهم وكذلك ابن أخته الممزق العبدي، وكانت لهم أخبار مع هؤلاء الملوك، كما أن عمرو بن هند غادر وخبيث وهذه الأخلاق لا تسبعد عنه، ولهذا فمن الجائز أن يكون عمرو المقصود هو عمرو بن هند.

41- فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ … فَأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي أَوْ سَمِينِي

غثي: الغث هو الرديء والفاسد من كل شيء.
سميني: إشارة إلى الحيوان المملتء باللحم والشحم، ودائما ما تقترن الكلمان في الكلام، فيقال الغث والسمين، أي الرديء والجيد، لا يعرف الغث من السمين، أي لا يميز بين الخبيث والطيب.

يطلب منه أن يكون صريحا وواضحا، فيعرف نصح من غشه، فإما أن يكون أخاه بحق وتكون أموره واضحة وتقوم بما عليه من حقوق، وإما، يكمل المعنى في البيت التالي.

42- وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي وَاتَّخِذْنِي … عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي

اطرحني: طرح أي ألقاه على الأرض، اطرح على وزن افتعل الذي يفيد الشدة في الفعل، فاطَّرحني أقوى في الدلالة من اطرحني، الشدة تعني المبالغة في الفعل، أي أبعدني عنك بوضوح وبلا التباس.
أتقيك وتتقني: أي تحمي نفسك مني وأحمي نسي منك، أي أن نصبح أعداء صريحين.

الأمر الثاني إذا لم تكن صديقا واضحا فلتكن عدوا واضحا، أبعدني عندك بوضوح واجعلني عدوك، ونتعامل كالأعداء، فأحمي نفسي منك وتحمي نفسك مني.

43- وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وَجْهًا … أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي

يممت: يمم فلان المكان: قصده واتجه نحوه.
وجها هنا بمعنى أمر من الأمور.
يليني: ما يليك أي يكون بجانبك.

يقول الشاعر أنه لا يدري إذا قصد أمرا أو عملا، بينما هو يريد الخير، ما الذي سيحدث معه، كأنه في حالة شك أو خوف من المستقبل، لا يعلم ما سيحدث بينما هو يسعى للخير.

بقية المعنى في البيت التالي.

44- أَأَلخَيْرُ الذِّي أَنَا أَبْتَغِيهِ … أَمِ الشَّرُّ الذِّي هُوَ يَبْتَغِينِي

أألخير: الهمزة الأولى استفهامية، بمعنى هل الخير الذي أبتغيه.
أبتغي: أيضا على وزن أفتعل، تعني أريد الحصول عليه بشجة.

المعنى جميل ورائع، الشاعر لا يعلم ما الذي سيحدث معه، هل هو الخير الذي يسعى في طلبه، أم الشر، والشر كما قال هو الذي يسعى في طلب المثقب العبدي، صورة جميلة رسمها الشاعر، الشر يجري وراءه بينما هو يهرب منه ويسعى وراء الخير.

45- دَعِي مَاذَا عَلِمْتِ سَأَتَّقِيهِ … وَلَكِنْ بِالمُغَّيَّبِ نَبِّئِينِي

دعي: اتركي، يتوجه بالخطاب للحبيبة التي يسقط عليها مشاعره.
ماذا: ما أداة وصل بمعنى الذي.
سأتقيه: أي سأحمي نفسي منه.
المغيب: الغيب هو كل ما غاب عن الإنسان ولم يدركه بحواسه.

هذا البيت غير موجود في نسخة المفضليات، لكن فيه خلاصة القصيدة كلها، وهو من النوع الذي يعلق في الذهن ويردده الإنسان كثيرا.

يخاطب الملك الذي كنى عنه بالحبيبة، أن يترك ما يعلم من الأمور ولا يضيع بها الوقت فهو جدير بحماية نفسه، لكن الغائب عنه هو ما يقلقه، ما يحاك ضده من دسائس ومؤامرات وكذب، وهو ما يطلب منه صراحة أن يخبره به.

 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي