النحو

ما هي الأجرومية؟ وكيف تدرسها؟

شرح المقدمة الأجرومية في النحو

 من كتب النحو التي كتب الله لها النجاح عبر العصور، مذكرة صغيرة من عدة صفحات تسمى المقدمة الأجرومية للعالم الصنهاجي محمد ابن آجروم، صنهاجي أي ينتسب إلى قبيلة صنهاجة من أهل المغرب، رتب فيها مبادئ النحو في نص قصير مجمل يسهل يحفظه على الطالب الصغير، وقد حاز هذا المتن توفيقا كاسحا وأصبح أشهر ما كتب في علم النحو، وعليه تبني كثير من كتب النحو الحالية، لأنه بسيط العبارة ومرتب ويشمل القواعد الأساسية التي يحتاجها طالب العربية.

 

ما هي الأجرومية؟

 

 هي نص صغير شهير في النحو، وضعه العالم محمد بن آجروم رحمه الله، ولد سنة 672 للهجرة في مدينة فاس بالمغرب العربي، ودرس فيها، ثم قصد مكة حاجاً مرورا بالقاهرة حيث لبث مدة ودرس على النحوي الأندلسي أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي وحظي بإجازته. عاش في مكة زمناً وفيها ألّف مقدمته الآجُرّومية، وعندما عاد إلى فاس لازم تعليم النحو القرآن في جامع الحي الأندلسي إلى أن توفي في مدينته فاس سنة 723 للهجرة النبوية الشريفة.

 

له مؤلفات أخرى لكن متن المقدمة الاجرومية غطى عليها تماما، فقد شرح منظومة الشاطبي في التجويد والقراءات: وسماها: فرائد المعاني في شرح حرز الأماني.

 

لكن متن النحو هو الذي اشتهر، اختصر فيه كتاب الجمل في النحو للزجاجي، ورتب فيه قواعد النحو العربي بطريقة في غاية السلاسة، ووضعه على أربعة أقسام:

 

القسم الأول: تعريف الكلام والكلمة، يتحدث فيها عن الجملة العربية والمبادئ الأساسية.

القسم الثاني: في تعريف البناء والإعراب، وهو الفكرة الرئيسية في علم النحو.

القسم الثالث: في الأفعال رفعا ونصبا وجزما، وهو تطبيق للقواعد الأساسية على الأفعال.

القسم الرابع: في الأسماء رفعا ونصبا وجرا، وهو تطبيق للقواعد الأساسية على الأسماء.

 

لم يضع ابن آجروم كل أبواب النحو في مقدمته، لأنه أرادها مختصرة، لكن مستواها يعادل تقريبا مستوى مادة النحو في الثانوية العامة في التعليم الأساسي، أو أقل قليلا، فدراسة أي شرح للأجرومية يساعد طلبة المدارس والثانوية العامة كثيرا في مادة النحو.

 

ونظرا لأهميتها فقد شرحها كثير جدا من العلماء على مر التاريخ بأساليب مختلفة، لها سبعون شرحا تقريبا حتى الآن، كل شارح له طريقته، ربما يستدرك شيئا أو يتوسع أو يختصر في بعض المواضع حسب رؤيته، وربما يكمل ما لم يقله ابن آجروم، وقد تجد شرحا يحتوي على فصول لا توجد في الآخر.

 

أشهر الشرح القديمة شرح الشيخ خالد الازهري، وشرح المكودي، وشرح الكفراوي وهو مميز بأنه يشرح ويعرب الأجرومية نفسها، فهو تدريب عملي على الإعراب.

 

كما قام الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله  بتحقيق وشرح الاجرومية ، وأخرجها في كتاب سماه، التحفة السنية بشرح المقدمة الأجرومية، وساهم عمله في نشر الكتاب في العصر الحديث.


من أشهر الشروح الحديثة شرح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهو مسجل على يوتيوب، لكن التسجيل قديم نوعا ما، وهناك نسخة مطبوعة مفرغة من التسجيلات، وهناك شرح مختصر في ست حلقات للشيخ سليمان العيوني حفظه الله، وهو عملي ومفيد جدا، لكنه مختصر.

 

هناك أيضا شرح على قناة يوتيوب تسمى العلم نور للأستاذ أحمد رضا هاشم، وقد استعمت إليه ووجدته أكثر الشروح إفادة على يوتيوب،  والأستاذ أحمد شوقي على نفس القناة، وشرح آخر على قناة تسمى جمعية القلم، لشيخ مغربي فاضل، وهناك شروح كثيرة جدا غير هذه، وهذا يدل على اهتمام الناس بها قديما وحديثا.

 

لماذا نبدأ بالمقدمة الأجرومية؟

 

أولا: لأن علم النحو يدرس على عدة مستويات

الأجرومية من اسمها هي مقدمة، تسمى المقدمة الأجرومية، أي تمهيد وتعريف بأصول اللغة والقواعد الأساسية التي تتكرر كثيرا في الكلام.

 

ومن طبيعة اللغة العربية ومن أسرار تفوقها أنها متنوعة الأساليب بشكل كبير، اللسان العربي واسع جدا، وفي كل مسألة هناك تنويعات من الأساليب التي تعبر عن المعنى بطرق بلاغية جميلة، وهناك مواضع دقيقة لاستعمال هذا اللفظ أو ذلك، وهناك لهجات، وهناك آراء مختلفة للعلماء، مثلا بعض العرب يعربون الاسم الموصول، فيقولون الذين والذون، وهذا نادر لكن بعض العرب كانوا هكذا.

 

بناء كلمة ا(لذين) كما نحن معتادون عليها، يسمى الأصل، لأنه أكثر ما تجده من اللغة، أو تقريبا لا تجد غيره، أما نطقها (الذون) مرة على لسان أحد العرب القدماء أو في بيت شعر قديم فهذا يعتبر فرعا عن القاعدة الرئيسية.

 

توجد كثير من هذه التفاصيل التي تعطي اللغة هذا التنوع، تسمى الفروع، وعدد الفروع في كل مسألة تفوق الأصل فيها، الأصل قاعدة واحدة مع بعض الملاحظات تحفظها وتطبقها، وسوف تمر عليك بعد ذلك في أكثر الكلام اليومي والكتب، فإذا عرفتها تكلمت بشكل صحيح.

 

 أما الفروع أي الاستثناءات والحالات الخاصة فهي كثيرة ولكن ربما لا يحتاج أن يعرفها الجميع، لأنها نادرة الاستعمال، أو أن دراستها دفعة واحدة ستصعب الأمر عليهم، ولا يمكن استيعاب كل هذا في مستوى واحد، و بعض الطلاب يصابون بما يشبه التشتت أو النفور، عندما يواجهون كل هذه التفاصيل في بداية تحصيلهم.

 

وبناء على ما سبق، يدرس النحو العربي على مرحلتين، المرحلة الأولى وهي دراسة الأجرومية وما في مستواها، يتعرف فيها الطالب على التعريفات الأساسية والمصطلحات والأقسام لأول مرة، ويحصل على الأصل المتوارد في اللغة العربية والمعلومات التي تهمه بشكل عملي من كل قسم، وهي التي سيحتاجها أكثر من غيرها في الحياة التطبيقية، والتي سوف يقابلها في القراءة ويحتاجها للكتابة السليمة.

 

ومن الجدير بالقول أن دراسة مستوى الأجرومية بشكلٍ جيد مع القراءة في المعاجم تكفي أغلب الدارسين الذين لا يحتاجون أكثر من المعرفة الأساسية في حياتهم، ولا يريدون التخصص، وستجعلهم يكتبون ويتكلمون الفصحى بشكل مفهوم ومقبول، وستؤهلهم لدراسة المستوى الثاني إذا أرادوا.

 

 وفي المرحلة الثانية، عادة ما تكون شرح ألفية بن مالك وما في مستواها، يتوسع الطالب كما يشاء ويتعرف على التفصيلات والحالات الخاصة والمواضع الدقيقة لاستعمال الكلمات، كما يمكنه أن يتعرف على بعض الآراء المختلفة للعلماء في بعض المواضع، وبعض حالات الإعراب المشكل، وبعض الأساليب الخاصة في اللغة، وذلك بعد ان يجتاز المرحلة الأولى الضرورية.

 

مثال لهذا تجده في كتاب النحو الوافي للدكتور عباس حسن، وهو شرح موسع على ترتيب ألفية بن مالك، فبعدما ينتهي الدكتور من شرح الفصل الأساسي، يعقد فصلا آخر يضع له عنوان زيادة وتفصيل، يضع فيه كل ما ورد في المسالة ويحلل ويناقش كما يشاء.

 

ما المستوى الذي تتوقعه بعد دراسة الأجرومية؟

 

أهداف دراسة الأجرومية: هي الاعتياد على أسلوب اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدثا أيضا، وتجنب الأخطاء الفاحشة المعيبة في الكلام، والقدرة على فهم الجمل العربية والنصوص قراءة وكتابة بشكل مقبول.

 

مرة أخرى: المستوى المطلوب: شرح الأصل في كل مسألة، وهي الغالب على كلام العرب، وعدم التطرق إلى الفروع، وهي الحالات الخاصة والاستثناءات، كذلك عدم التطرق إلى التفاصيل والزيادات التي ترد في حالات نادرة، وسوف تسبب الحيرة والتشتت إذا درسها الطالب المبتدأ على قلة ورودها في الحياة اليومية.

 

فرغم أن عدد المسائل الفرعية كبير، وتسبب القلق، إلا أنها تستعمل في الحياة العملية على فترات بعيدة أو في مواقف خاصة، ونحن نحتاج أن نركز على القواعد الأساسية التي سنقابلها كثيرا.

 

وليس الهدف أن تصل لدرجة الفصاحة ومعرفة اختلافات العلماء وأراءهم حول المسائل، أو لن نستطيع تغطية كل دقائق العربية، هذا أمر لا يدركه كل أحد، ولا يقدر عليه إلا العلماء الكبار، لكننا نجتهد، وكما أخبرني أحد الأستاذة: إذا رأيت المحاضر يعرج عل الفروع ويستطرد في كل مسألة ويستعرض بذكر الأقوال وهو يشرح مستوى الأجرومية فلا تكمل معه. لأن الأجرومية لم توضع لهذا الغرض.

 

شكرا لكم لمتابعة الموضوع، وسوف نشرح مواضيع الأجرومية على الموقع والقناة، ونتمنى لك التوفيق.

محمد صالح – في حب لغتنا العربية 

 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى