
هنا مسودة الكتابة عن كتاب الصرف الصالح. وسيكون للكتاب اسم آخر هو: قواعد الكلمة العربية، وهو عمل أرجو من خلاله أن أقدم قواعد اللغة العربية وكلماتها بشكل علمي واضح يساهم في تقويتها بين أهلها ونشرها بين غير المتحدثين بها. ليتكامل مع أخيه الأكبر: كتاب النحو الصالح، وسوف تنشر المقالات على الموقع أولا، ثم سأجمعها في كتاب واحد.
علم الصرف هو أحد الفرعين الأساسيين لعلوم اللغة العربية، والفرع الآخر هو النحو.
في علم الصرف: يدرس الطالب تركيب الكلمة العربية وتغير حروفها لتأدية معان مختلفة. ومن هنا أتى اسمه: فالتصرف هو التحول والتغير. وهو ما يحدث للكلمة العربية عند إضافة حرف أو عدة حروف، وما يتبعه من تغير المعنى حسب قواعد معروفة هي محل الدراسة.
اسم العلم الصرف ومباحثه:
اشتق اسم الصرف من التصريف وهو التحول. وهو ما يحدث للكلمة العربية في أحوالها المختلفة التي ستراها في الكتاب.
ففي العربية يكون لدينا أصل مثل: (كَتَب) ويمكن تحويله إلى فعل مضارع فيصبح (يَكتب) أو أمرا (اكتب). كما يتصرف مع الضمائر المختلفة: كتبتَ، كتبتْ، كتبوا، إلى آخره. ويمكن أن يعني اسم الفاعل الذي قام بالكتابة (كَاتِب) ويشتق منها ألفاظ كثيرة مثل: كِتاب – مَكتبة – مكتبة – كتيبة، إلى آخره.
البحث في هذه التغيرات وضبطها هو موضوع الدراسة في علم الصرف. ويتم تقسيم الكلمات في مباحث بحسب حروف بنائها الأصلية والزائدة، فنعرف الزيادة والأثر التي أحدثته في المعنى.
كما نتعلم اشتقاق الأفعل المضارعة وأفعال الأمر من الفعل الماضي، وتصريفات الأفعال مع الضمائر المختلفة، ومشتقات أخرى بالغة الهمية ومستعملة في الكلام، مثل اسم الفاعل واسم المفعول واسم المكان والصفة المشبه وغيرها، وهي مباحث مهمة لفهم وإتقان اللغة العربية.
وهناك أيضا حاجة لدراسة بعض الكلمات التي لا تتصرف أيضا، يحتاجها ناشئة العرب والطلبة من غير العرب الذين يريدون دراسة العربية، كذكر كلمات الاستفهام ومعاني الحروف وغيرها، فرأيت أن تجمع في أبواب مغ غيرها، ويكون المجال الأوسع لعلم الصرف: هو دراسة كل الكلمات العربية، التي تتصرف وهي الغالبية، والكلمات الأخرى التي يحتاجها الطالب.
علاقة الصرف والنحو.
النحو والصرف شقيقان يكملان بعضهما. فاللغة العربية تتكون من جمل بما فيها قواعد الإعراب، وهذا مجال علم النحو. والجمل تتكون من كلمات، ودراسة مباني الكلمات العربية هي مجال علم الصرف. فالصرف والنحو يكملان بعضهما، حيث يبدأ النحو تقريبا من حيث ينتهي الصرف.
وكان العلمان يُدرسان معا في الأزمنة القديمة، ثم فُصلا تسهيلا على الطلاب. وما زال بينهما تداخل كبير في الدروس، فلكي نفهم مثلا إعراب جمع المذكر السالم. نحتاج أولا أن نعرف كيف نجمع الكلمة ونحولها من مفرد إلى جمع. وهذا بحث صرفي، ثم ندرس كيف يتغير جمع المذكر السالم في الجملة رفعا ونصبا وجرا، وهذا بحث نحوي.
دراسة الصرف أولا تسهل النحو كثيرا على الطالب، رغم أن أكثر الطلاب لا يهتمون بتخصيص وقت للصرف، لأنهم يظنون معلوماته مسلما بها ولا تحتاج إلى دراسة، وهذا عيب ربما نتحدث عنه في مناسبة أخرى.
جماليات علم الصرف.
يتوجس بعض الطلبة خيفة من دراسة علم الصرف. وهو في الحقيقة بسيط وممتع، فكثير من القواعد نعرفها بالفعل ونستعملها بشكل طبيعي في حديثنا اليومي. ولا يتبقى إلا بعض القواعد لتظبطها، كما أن التأمل في هذه القواعد ممتع وجميل.
ويكشف الصرفُ جمال اللغة العربية ودقة المعاني: حيث تختلف دلالات الألفاظ مع اختلاف مبانيها: ف(قَتَل) يختلف عن (قَتَّلَ) بالتشديد وعن (قَاتَل) بوجود ألف المد. الأول يعني القيام بالفعل نفسه، أما قتَّل بالتشديد فتعني أنه أمعن في القتل وأسرف. وأما قاتل على وزن فاعل، فتعني الاستمرار في الأمر فترة، أي أن المعركة استمرت فترة وكانت متبدالة من الطرفين.
كما أن المعنى يختلف بين الفعل (خَرَجَ) وبين (اسْتَخْرَجَ) وبين (تَخَارَج) ، وكلها مشتقة من مادة واحدة.
الاختلافات في الأمثلة السابقة من طبيعة اللغة العربية. وهذا يعرفه العربي فقط بتمييزه للوزن الذي أتى عليه الفعل. و تجد هذه الملامح الدقيقة بكثرة في القرآن الكريم والشعر العربي. ينتبه لها الذكي وتزداد بها قيمة النص. فإذا فهمتها وأنت تقرأ نصوص اللغة، ستحب علم الصرف كثيرا. ويمكنك أن تطبقها على كتابتك لتزداد قيمة. وسوف ندرسها بالتفصيل في باب أطلق عليه (دلالات الأوزان الصرفية).
مبادئ أساسية في علم الصرف.
للصرف عدة مبادئ أساسية، إذا استوعبتها جيدا في البداية ستضح لك معالم الدروس بشكل كبير وسيسهل عليك تصور العلم. وإذا لم تفهمها ستجد صعوبة في فهمها.
وسوف أخصص لها الفصل الأول، لتدخل الدروس محملا بالمعرفة الأساسية اللازمة، ثم ستبدو الدروس تطبيقا لهذه القواعد، وأعرضها عليك الآن عرضا سريعا.
1- فكرة الجذر أو الأصل اللغوي والاشتقاق منه.
الجذر هو الكلمة التي تتكون كلها من حروف أصلية ولا يمكن حذف حرف منها، ويتفرع منها كلمات كثيرة تؤدي معانٍ مختلفة كلها متربطة بالمعنى الإجمالي الأول، كما ذكرت في مثال (كَتَب) في أول المقال. فكل الكلمات المشتقة منها لها علاقة بمعنى الكتابة وتدور حوله، هذه الفكرة مركزية جدا في اللغة العربية ويجب أن تسوعبها في ذهنك، ودراسة هذه التغيرات تشغل أغلب فصول الصرف.
كما أن المعاجم العربية ترتب حسب الجذور اللغوية. فتبحث أبجديا عن الجذر في المعجم، ثم تجد تحته كل الكلمات التي اشتقت منه بشواهدها ومعانيها، ولهذا فمعرفة الجذر مهمة للبحث في القواميس، وتعينك عليه قواعد الصرف في تمييز الحروف الأصلية والزائدة في الكلمة.
2- الكلمة العربية لا تبدأ بساكن، ولا تنتهي بحرف متحرك.
قد تكون الحروف العربية متحركة بفتحة أو ضمة أو كسرة، وأحيانا تكون ساكنة لا حركة فيها. والقاعدة التي يجب تذكرها دائما هو أنه لا يمكن أن تبدأ الكلمة العربية بحرف ساكن أبدا. لأن الابتداء بالحرف الساكن ثقيل على اللسان أو متعذر. لهذا تضع العرب ألفا متحركة في بداية الكلمات التي تبدأ بحرف ساكن كي يسهل نطقها. كالأفعال السداسية نحو : (استفهم) فهذه الألف الأولى ليس من الكلمة، وإنما أتي بها فقط لتسهيل النطق بها، وإذا وصلت الكلمة بما قبلها وكان متحركا لا يعود هناك سبب لوجودها فتحذف من النطق كقولنا: أتى ثم استفهم.
أيضا لا إذا كان الحرف الأخيرا متحركا، (وكثيرا ما يكون كذلك لدواعي الإعراب) واحتاج المتكلم إلى التوقف. فإنه يسكن الحرف مهما كانت حركته الأصلية. فإذا وصلها بما بعدها وضع الحركة بشكل طبيعي.
3- لا يلتقي ساكنان في اللغة العربية.
لا يمكن أن يلتقي حرفان ساكنان في اللغة العربية، لثقل النطق على اللسان، واللغة العربية لا تحب صعوبة النطق، لهذا يتحرك أحد الحرفين طلبا للسهولة.
فإذا قلنا اقرأ الدرس، فإن الهمزة في آخر اقرأ ساكنة، وكذلك الألف في أول الدرس، ولهذا توضع كسرة عارضة على الساكن الأول ليتحرك ويسهل النطق به، فتكون عند الكلام: اقرإِ الدرس، بكسرة، وهذه الكسرة ليست علامة إعرابية، بل هي فقط للتخلص من التقاء الساكنين.
وفي الصرف أبواب تسمى الحذف والإعلال هي تطبيق مباشر لهذا المبدأ، فإذا التقى ساكنان فقد يحذف أحدهما أو يتغير إلى حرف آخر تبعا لهذا المبدأ، وسوف ندرس الأمثلة في حينه.
4 – حروف العلة وتحولاتها في الكلمات.
حروف العلة هي الحروف المد الثلاثة، الألف والواو والياء. وفي اللغة العربية هي حروف ساكنة لأن اللسان لم يتحرك عند نطقها. فإذا وجدت في كلمة مع حرف ساكن فإنها تتغير أيضا تبعا لقاعدة ألا يلتقي ساكنان. مثلا في الفعل الأجوف (قال)، عندما نصرف منه فعل الأمر يكون (قُولْ) وهذان حرفان ساكنان، فيحذف حرف العلة تسهيلا للكلام، لتصبح (قُلْ).
تسمى هذه الحروف (حروف العلة) وتعني المرض، لأنها تتغير مثلما يتغير حال المريض، فهي حروف ضعيفة. وسوف ندرس هذا في أبوابه.
هذه مبادئ أربعة أساسية، هي جوهر علم الصرف كله. تذكرها دائما وأنت تقرأ الدروس، فكل ما سترى من تصريفات يرجع إلى واحدة.