شرح القصائد

غَشِيتُ دِيَارَ الحَيِّ بِالبَكَرَاتِ – ديوان امرؤ القيس

مع الشرح المبسط ومعاني الكلمات

القصيدة رقم 6 في ديوان امرؤ القيس، يبدي حزنه عندما يشاهد الأماكن التي كان يعرفها، وتحولت إلى آثار مهجورة بسبب الحرب الطاحنة، وشبه حاله بحال حمار الوحش الذي كان يستمتع بحياته فترة مع الإناث ثم تصعب حياته ويهدده الصياد، ويصف كثرة طوافه في البلاد حتى أصبحت ناقته هزيلة بعد قوتها، ويتكلم عن سيفه الذي أبلى شفرته من كثرة ما ذبح من الجمال وقتل من الرجال.

 

1- غَشِيتُ دَيَارَ الحَيِّ بِالبَكَرَاتِ … فَعَارِمَةٍ فَبُرْقَةِ العِيَرَاتِ

 

البكرات: موضع جبال صغيرة قرب مكة، والباقي كلها أسماء أماكن. 
المعنى: مر على بيوت الحي ومن يعرفهم في هذه المواضع فهاج حزنه.

 

2- فَغَوْلٍ فَحِلِّيتٍ فَنَفْءٍ فَمَنْعِجٍ … إِلَى عَاقِلٍ فَالجُبِّ ذِي الأَمَرَاتِ

 

يواصل ذكر الأماكن التي يعرفها ويمر عليها متتابعة، فيزداد حزنه أكثر.

 

3- ظَلِلْتُ رِدَائِي فَوْقَ رَأْسِيَ قَاعِداً … أَعُدُّ الحَصَى مَا تَنْقَضِي عَبَرَاتِي

 

ظل في هذه الأمكان يشاهد الآثار الخاوية، ذاهلا لا يدري ما يفعل، لم يخلع رداء السفر لعدم وجود أحد يجالسه، يعد الحصى على الأرض ولا تتوقف دموعه، من هول حزنه.

 

4- أَعِنِّي عَلَى التَهْمَامِ وَالذِّكَرَاتِ … يَبِتْنَ عَلَى ذِي الهَمِّ مُعْتَكِرَاتِ

 

يطلب أن يعينه أحد على تحمل هذه الهموم والذكريات، التي تبقى في رأس صاحب الهم متتابعة يلحق بعضها بعضا.

 

5- بِلَيْلِ التَّمَامِ أَوْ وُصِلْنَ بِمِثْلِهْ … مُقَايَسَةً أَيَّامُهَا نَكِرَاتِ

 

تبيت الذكريات والهموم تؤرقه طول الليل، وتستمر لتصل لليوم التالي، كلها أيام تشبه بعضها وكلها قبيحة منكرة.

 

6- كَأَنِّي وَرِدْفِي وَالقِرَابَ وَنُمْرُقِي … عَلَى ظَهْرِ عَيْرٍ وَارِدِ الخَبَرَاتِ

يسافر سفرا عنيفا كأنه مع رفيقه وسيفه يركبون ظهر حمار وحشي يريد مكان اسمه الخبرات، شبه قوة تحرك ناقتهم وعنفها كحركة حمار الوحش، وسوف يستمر في وصفه.
وجه الشبه أن الحمار كان يعيش سعيدا مع إناثه مثل امرؤ القيس، ثم ضاقت عليه الدنيا، كما سنرى

 

7- أَرَنَّ عَلَى حُقَبٍ حِيَالٍ طَرُوقَةٍ … كَذَوْدِ الأَشِيرِ الأَرْبَعِ الأَشِرَاتِ

 

هذا الحمار يصوت على إناثه بيضاء الحقائب (أي المؤخرات)، ولم تحمل بعد، فذلك يجعل هيجانه أكثر، يرعاها كما يرعى الرجل العدد القليل من الإبل، فيقدر على رعايتها، يقصد أنه الذكر هائج وصاخب، معه إناث نشيطة في فترة التزاوج.

 

8- عَنِيفٍ بِتَجْمِيعِ الضّّرَائِرِ فَاحِشٍ … شَتِيمٍ كَذَلْقِ الزُّجِّ ذِي غَمَرَاتِ

 

هذا الحمار عنيف في تجميع زوجاته معا، قبيح في تصرفه معهن، وضرب به مثلا على عنفه وعلى سوء أيام امرؤ القيس.

 

9- وَيَأْكُلْنَ بُهْمَى جَعْدَةً حَبَشِيَّةً … وَيَشْرَبْنَ بَرْدَ المَاءِ فِي السَّبَرَاتِ

 

ترعى الحمير في موسم المطر، يأكلن البهمى وهو نبات تحبه الحمير، أي أن الذكر وإناثه في خصب، حبشية، أي النبات شديد الاخضرار كأنه أسود لغزارته، ويشربن الماء البارد في الأيام الباردة، السبرة هي الصباح البارد.

 

10- فَأَوْرَهَا مَاءً قِلِيلاً أَنِيسُهُ … يُحَاذِرْنَ عَمْراً صَاحِبَ القُتُرَاتِ

 

بعد انقضاء المطر وانتشار الجفاف، يذهب بها الذكر إلى موضع ماء منعزل، ويخاف من الصياد عمرو، الذي يختبئ في مخابئ، إشارة إلى تبدل حال الحمير، أصبحت في خطر بعدما كانت تعيش هانئة.

 

11- تَلُتُّ الحَصَى لَتَّا بِسُمْرٍ رَزِينَةٍ … مَوَارِنَ لَا كُزْمٍ وَلَا مَعِرَاتِ

 

هذه الحمير تسحق الحصى من شدة قوتها، بحوافرها السوداء، ووصف أقدامها بأنها مرنة، أي ملساء وقوية، هذه السيقان ليس كزم، أي ليست قصيرة، ولا معرة، أي معراة الشعر، يقصد أن صحتها قوية ولا عيب فيها.

 

12- وُيرْخِينَ أَذْنَاباً كَأَنَّ فُرُوعَهَا … عُرَا خِلَلٍ مَشْهُورَةٍ ضَفِرَاتِ

 

يصف أذنابها بأنها قوية ومرتخية كعروة السيوف المتدلية من جوانب الرجال، ومشهورة تعني مزخرفة ومزينة، وتروى صفرات بمعنى لامعة، كأن السيوف لامعة.

 

13- وَعَنْسٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَسَأْتُهَا … عَلَى لَاحِبٍ كَالبُرْدِ ذِي الحِبَرَاتِ

 

يتكلم عن ناقته التي كانت قوية كأنها ألواح التوابيت، كنت أقودها بالمنسأة، أي العصا، على طريق مخطط كأنه البُرد، ذي الحبرات أي المزين والموشى.

 

14- فَغَادَرْتُهَا مِنْ بَعْدِ بُدْنٍ رَذِيَّةٍ … تَغَالَى عَلَى عُوجٍ لَهَا كَدِنَاتِ

 

فترك هذه الناقة معيبة ضعيفة بعد أن كانت قوية، إشارة لكثرة تنقله وتعبه في ذلك، وكانت تكثر في السير على قدمها المعوجة الصلبة. 

 

15- وَأَبْيَضَ كَالمِخْرَاقِ بَلَّيْتُ حَدَّهُ … وَهَبَّتَهُ فِي السَّاقِ وَالقَصِرَاتِ

 

أبيض كالمخراق: يقصد سيفا قاطعا، يحركه بخفة كأنه مخراق، وهو ثوب أو عصا يلعب بها الأطفال، أضعفت حده القطاع وضربته من كثرة ما ضربت به سوق الجمال، أو عرقبتها لتذبح (كناية عن الإنفاق والكرم) وضربت به القصرات أي الأعناق، أي قتل به رجالا. 

أي أنه كثيرا ما قتل الجمال والرجال بسيفه حتى بلي حده.

وهنا تنتهي القصيدة فجأة دون استكمال معناها، فكأنها لم تصل لنا كاملة. 

 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى