شرح القصائد

تأمل في البيت الأول من معلقة طَرَفة: لِخَولة أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهْمَدِ

معلقة طرفة بن العبد

تأمل لغوي ووصفي وبصري للبيت الأول من معلقة طرفة بن العبد:

 

1- لِخَوْلَةَ أَطْلَالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ … تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ

 

أطلال: آثار البيوت، الأجزاء التي تبقى قائمة من آثار البيوت بعد خرابها.
بُرقة: بضم الباء، هي الأرض الغليظة التي تختلط بها الصخور بالرمال، أو تتخللها الصخور
ثهمد: اسم موضع في جزيرة العرب
تلوح: تبدو من بعيد، تلَوَّح الهلال: أي ظهر ، ولوح بالشيء، أظهره ولمع به
الوشم: تلوين الجلد ونقشه بغرز الإبر فيه بلون مزرق، وكان عادة شائعة عند العرب.

ظاهر اليد: يؤكد أن الوشم موجود ومرئي على ظهر اليد يراه كل مبصر، وليس مخفيا.

 

المعنى اللغوي: يشعر طرفة بحضور الحبيبة خولة معه في أرض ثهمد الغليظة الصخرية وهو جالس يتأمل، تظهر له كما يظهر باقي الوشم على ظاهر اليد، واضح ويمكن الإحساس به، فحضورها محسوس في قلبه.

 

بدأ طرفة بتقديم اسم خولة في صدر البيت ليدل أنها الأمر المحوري الذي يتكلم عنه، هل حبيبة طرفة امرأة حقيقة بهذا الاسم؟ أم هي تعبير عن شخصه الذي سيفترق مع القبيلة، أم تعبير عن القبيلة التي تفارقه؟ أترك لك تأمل هذه المعاني لتتأكد بنفسك، لكن المتأمل للشعر الجاهلي والمعايش له فترة طويلة، يعلم أن أسماء الفتيات ومقاطع الغزل تكون مبطنة المعاني بالحالة النفسية التي يتكلم عنها الشاعر، يتكرر هذا النمط كثيرا في القصائد الجاهلية، وبه يفهم المعنى العميق وراء الأبيات، فليس الأمر مجرد ذكر عشوائي لفتاة والبحث عن نسبها وذكر أنه تركها كما يفسره البعض.

 

ونفهم من البيت أن هذا الفراق حديث العهد، فهمناه من كلمة الأطلال، لأنها تعني أن بقايا المنزل وجسمه ما زال قائما ولم يمر عليه وقت طويل ليتحول إلى رسوم، الرسوم هي علامات خافتة في المكان تنبؤ أنه كانت هناك حياة وأساسات منازل في الموضع، لكنها ذهبت منذ زمن بعيد بفعل الجو والمطر وطول السنوات، فلم يعد يوجد إلا علامات خافتة، أما الأطلال فأبنية قائمة لم يمر وقت طويل إلى درجة أن تذهب تماما، وهذا من دقة وصف اللفظ في اللغة العربية، والمعاني التي يمكن أن يفهمها من يتأمل في الفريق بين اختيارات الألفاظ.

 

وتظهر القدرة اللغوية في اختيار الألفاظ في بقية الكلمات، عندما قرر تظهر آثارها بشكل واضح كما يظهر الوشم على الجزء البارز الظاهر من اليد، وليس في باطنها، يعبر عن قوة إحساسه بها، في أرض بُرقة تختلط فيها الحجارة بالرمل، كناية عن المصاعب التي يواجهها في حياته كأنها الصخور المبعثرة في هذه البرقة.

 

هذا البيت تعبير عن الفراق المحتم مع قبيلته وخفوت علاقتهم بحيث لم يبق منها إلا شيء قليل، مثل الوشم الذي بقي منه أثر قليل على اليد وسرعان ما سيزول، قاله بعدما شعر بالظلم منهم، وعدم تقدير فروسيته ولومهم الدائم له، وبعدما أحس باقتراب الموت، كما سيتبين في الأبيات القادمة، وهي القضية التي تدور حولها هذه المعلقة وأغلب شعره.

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى