كان حيوان المها المهيب يجوب كافة أنحاء الجزيرة العربية في ما مضى، وقد أكثر شعراء العرب من وصفه، ذكروا جمال عيونه، وحنان الأنثى على وليدها، وذكروا بياض لونه الممتزج بالأسود، وقوة الثور الذي يقتل كلاب الصيد بقرونه التي تشبه سيخ الشوي، وانعزال الثور في الصحراء كما ينعزل الرجل الكريم عن الأذى، ذكروا الكثير والكثير، لكن كنا سنجهل كل هذا لو انقرض، لم نكن سنفهم معنى قول المرؤ القيس، (فأدبرن كالجزع المفصل بينه … بجيد معم في العشيرة مخول)، وكثير من الشعر العربي لو لم نفهم شكل الحيوان، كانت ستصبح كالطلاسم.
منذ 100 سنة، انخفضت أعداد المها بشكل هائل في الجزيرة العربية، نتيجة الصيد الجائر بلا رحمة، نفس الصيد الذي أفنى حمير الوحش والنعام والضباع والنمور، وعندما دخلت السيارات إلى بلاد العرب، استخدمها الناس للوصول إلى أعمق مخابئ الحيوان في قلب الصحراء وأتوا عليها للنهاية، شوهدت آخر مها عربية في أرض عمان سنة 1972، ثم قتلت بعد ذلك، ولم يتبق إلا عدد قليل في مزارع خاصة، لم تكن لتفعل شيئا.
أما ما أنقذ الحيوان -وما أعجب ذلك- فهي المجموعة التي كانت موجودة في حديقة حيوان فيونكس في الولايات المتحدة، وكل المها الموجودة الآن تقريبا من سلالة هذه المجموعة، وقد تم تطبيق برامج استيلاد في عدد من المراكز والحدائق الوطنية، ويوجد اهتمام حقيقي بزيادة أعدادها، وأصبح عددها الآن يزيد على ألف حيوان.
المَها في الشعر العربي.
ذكر المها كثيرا في الشعر العربي بسبب جماله وصفاته المميزة، خاصة مشهد محاولة صيده، ويذكر كل شاعر مشهد المها بالطريقة التي يعبر فيها عن غرضه، كما يظهر في الأمثلة التالية.
– في شعر امرؤ القيس:
ذكر امرؤ القيس المها في شعره بوصفه هدفا لصيد حصانه الأسطوري، وقد ذكر هذا الموقف في عدة قصائد، وصف لونها الأبيض ووصف منظر القطيع كأنه عذارى يرتدين الملاءات البيضاء، ووصف بياض القطيع في سوداه كأنه أحجار الجزع.
فَعَنَّ لَنَا سِربٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ … عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلِ
فَأَدْبَرْنَ كَالجَزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ … بِجِيِدِ مُعَمٍّ فِي العَشِيرَةِ مُخْوَلِ
وقال في قصيدة أخرى:
فَأَدْبَرْنَ كَالجَزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ … بِجِيدِ الغُلَامِ ذِي القَمِيصِ المُطَوَّقِ
– في معلقة لَبيد بن ربيعة.
وصف لبيد مشهد بقرة المها التي أضاعت وليدها وظلت تبحث عنه سبعة أيام بلياليها حتى جف لبنها، والصغير مقتول، ثم واجهت صيادا بكلابه وأفلتت منهم بأعجوبة.
في هذا المشهد يصور لبيد حيرته وضيقه بسبب الحكم بإبعاد عشيرته وضيق أيامه فصورها بمشهد أنثى المها.
أفَـتِـلْكَ أم وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَـةٌ … خَـذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوارِ قِوَامُهَا
خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلمْ يَرِمْ … عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا
لِـمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ … غُبْسٌ كَوَاسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُهَا
صَادَفْنَ مِنْهَا غِرَّةً فَـأَصَـبْـنَهَا … إنَّ المَنَايَا لَا تَـطِيشُ سِهَامُهَا
بَاتَتْ وَأسْبَلَ وَاكِفٌ مِنْ دِيمَةٍ … يَروِي الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَا
يَعْـدُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَواتِرٌ … فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
تَجْتَافُ أَصْلاً قَالِـصاً مُتَنَبِّذاً … بِعُجُوبِ أَنْقاءٍ يَمِيلُ هُيَامُهَا
وَتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلَامِ مُنِيرةً … كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِـظَامُهَا
حَتَّى إِذَا انْحَسَرَ الظَّلَامُ وَأَسْفَرَتْ … بَـكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أزْلامُهَا
عَلِهَتْ تَرَدَّدُ فِي نُهاءِ صُعَائِـدٍ … سَبْعاً تُؤَامـاً كَامِلاً أيَّـامُـهَـا
حَتَّى إِذَا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ … لَمْ يُبْلِهِ إِرْضَاعُهَا وَفِـطَامُهَا
وَتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأَنِـيسِ فَرَاعَهَا … عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ، وَالأَنِيسُ سَقَامُهَا
فَـغَـدَتْ كـلا الفَرجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ … مَـولـى المخـافة خلفُـها وأمـامُهـا
حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأرْسَلُوا … غُضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَا
فَـلَـحِـقْـنَ واعـتـكـرتْ لها مَدْرِيَّة ٌ … كـالـسَّـمـهـريَّـة ِ حَـدَّهَـا وتَمَامُهَا
لِـتـذَودَهُـنَّ وَأيـقـنـتْ إن لم تَـذُدْ … أن قد أحمَّ مع الحتوفِ حمـامُها
فتقصدَتْ منها كَسابِ فضُرِّجتْ … بدمٍ وغودرَ في المَكَرِّ سُخَـامُـها
المَها في قصيدة سُويد بن أبي كاهل العينية.
في مقطع من عينية سويد بن أبي كاهل يصور، حاله مع خصومه الحقدة بطريقة طريفة جدا.
شبه نفسه بحيوان المها بكل هيبته وجمال خلقته، وهو حيوان يعيش في قلب الصحراء، يحب الهدوء والاختلاء بنفسه، فيما خصومه مجموعة من كلاب الصيد الجشعة الحقيرة، تريد أن تقتله لكنها لا تستطيع، وتخاف أن تقترب منه لأنها تعلم أنه سيغرز قرونه الحادة فيها وسيقتلها، فتكتفي بالدوران دون فعل شيء، وكلما اقتربت الكلاب مسافة تحرك الثور بتكاسل واستخفاف لأنه يعلم قدرها، رغم أنها تجهد نفسها جدا في محاولة الاقتراب منه.
وهكذا يبتعد الثور عنها عندما يتضايق منها ثم لا يجهد نفسه ويقف، وفي النهاية عندما يمل منها يذهب بعيدا إلى عمق الصحراء الخالية التي يدوي فيها الصدى و التي يحب العيش فيها، فهذا طبعه، ولم يذهب لها هربا ولا خوفا.
فَكَأَنِّي إِذَا الآلُ ضَحىً … فَوْقَ ذَيَّالٍ بِخَدَّيْهِ سَفَعْ
كُفَّ خَدَّاهُ عَلَى دِيبَاجَةٍ … وَعَلَى المَتْنَيْنِ لَوْنٌ قَدْ سَطَعْ
يَبْسُطُ المَشْيَ إِذَا هَيَّجْتَهُ … مِثْلَ مَا يَبْسُطُ فِي الخَطْوِ الذَّرَعْ
رَاعَهُ مِنْ طَيِّءٍ ذُو أَسْهُمٍ … وَضِرَاءٌ كُنَّ يَبْلِينَ الشَّرَعْ
فَرَآهُنَّ وَلَمَّا يَسْتَبِنْ … وَكِلَابُ الصَّيْدِ فِيهِنَّ جَشَعْ
ثُمَّ وَلَّي وَجَنَابَانِ لَهُ … مِنْ غَبَارٍ أَكْدَرِيٍّ وَاتَّدَعْ
فَتَرَاهُنَّ عَلَى مُهْلَتِهِ … يَخْتَلِينَ الأَرْضَ وَالشَّاةُ يَلَعْ
دَانِياتٍ مَا تَلَبَّسْنَ بِهِ … وَاثِقَاتٍ بِدِمَاءٍ إِنْ رَجَعْ
يَرْهَبُ الشَّدَّ إِذَا أَرْهَقْنَهُ … وَإِذَا بَرَّزَ مِنْهُنَّ رَبَعْ
سَاكِنُ القَفْرِ أَخُو دَوِّيَةٍ … فَإِذَا آنَسَ الصَّوْتَ امَّصَعْ