الكتابة

الكتابة وسيلة للتفكير

كيف تساعدك الكتابة على تنقية أفكارك؟

القدرة على عرض الأفكار بصورة مرتبة هي مهارة ضرورية في عصرنا الحالي، يحتاجها الكاتب والدارس، وحتى في مواقف الحياة اليومية، سوف تحتاج أن توضح مقصدك للناس في مكان عملك أو عندما تكتب منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في تجمع عائلي، إذا كنت قادرا على عرض أفكارك بشكل سليم، ستكسب مكانة بين أقرانك.

لكن هل جربت أن تتكلم عن موضوع ثم اكتشفت أنك لا تستطيع التعبير عما في ذهنك بصورة واضحة أو أنك تعرضه بطريقة قاصرة، رغم أنك تعرفه؟

 

الكتابة عملية تفكير

 

الكتابة وسيلة لا تقدر بثمن لممارسة التفكير وتنمية قدراتنا المعرفية، فهي ليست مجرد وسيلة تدوين للمعلومات، إنها عملية تجبرنا على التفكير  والتحليل، والهدف من مهمة الكتابة ليس مجرد الوصف أو الإقناع أو التلخيص: بل هو دفع الطلاب إلى فهم المواد الصعبة وتطوير وجهة نظرهم الخاصة حول الموضوع، فالكتابة نفسها عملية تفكير، سوف أتحدث في هذا المقال عن الفوائد التي تتحصل عليها من ممارسة الكتابة بشكل فعال، وسوف نتكلم عن فائدة تعلم الكتابة في تركيز أفكارك وعرضها أمام الناس، وكيف يمكن أن تساعدك ممارسة الكتابة على تركيز أفكارك وعرضها بشكل أفضل.

 

الكتابة تساعدك على ترتيب أفكارك

 

يحتفظ الإنسان في ذهنه بمعلومات متنوعة حول موضوع ما، استقى كلا منها عن طريق مختلف وعبر السنين، لكنها تتجمع بشكل عشوائي في ذهنك، خاصة إذا كان الموضوع متشعبا ويحمل وجهات نظر، ولنضرب مثلا بما أعرفه حول الشاعر العربي طَرَفة بن العبد، ويمكن أن تطبق الأفكار نفسها على كتابتك.

فقد سمعت أبياتا له من صديق، وأبياتا أخرى من قناة يوتيوب، وقرأت شرحا لمعلقته، ثم معلومة عن الحكمة في شعره في مقال، وعن قصته مع الملك عمرو بن هند في موضع آخر، وكونت فكرة واسعة عن هذا الشاعر، لكن إذا حاولت التحدث عنه من الذاكرة فلن أستطيع أن أسترجع المعلومات كاملة وبترتيبها الصحيح، فالمعلومات مرتبة في الذهن بشكل عشوائي، وأنا أحتاج إلى عرضها بشكل منظم، الكتابة ستساعدك على ترتيب ما تعرف لتعرضه بشكل سليم يفهمه الآخرون، ولن تستطيع ترتيبها بشكل متسلسل وهي حبيسة في رأسك، يجب أن تضعها أولا على الورق أو على برنامج الحاسوب.

 

الكتابة تساعدك على اكتشاف مواطن النقص في فكرتك

 

لا تقتصر فائدة الكتابة على إيصال الفكرة للآخرين، بل تحتاجها أنت لتفهم موضوعك بشكل أفضل.

عندما تريد الحديث حول موضوع ما، عليك أن تكتبه على الورق أو جهازك الحاسوبي، ستلاحظ أن عملية تسجيلها دفعتك للتفكير بشكل أعمق، ولنعد للشاعر طرفة بن العبد، كنت تفكر بيت شعر قاله طَرفة في معلقته، لكنك عندما كتبته ظهرت لك حاجة في إيضاح مناسبة البيت وعلاقته بأحداث حياته، والمعنى الدقيق له، ثم تفكر لم قال هذه الكلمة تحديدا، وتكتشف أنك لا تعرف، فتبدأ في عملية بحث جديدة، نتيجتها أن تتعرف على جوانب جديدة من حيات وتكتمل فكرتك عنه.

وهكذا قادتك عملية الكتابة لإجراء بحث أوسع عن موضوعك، ما ترتب عنه فهم أعمق، ولم تكن لتنتقل لهذه المرحلة لو ظلت الفكرة تتردد فقط في ذهنك، تسجيلها أولا هو ما دفعك لهذا البحث، وهكذا يتضح لك أن الكتابة ليست مجرد وسيلة للتواصل وعرض الأفكار فقط، بل إنها تساعدك على فهم أفكارك الشخصية بشكل أفضل، وإعادة فحصها، وإكمال مواطن النقص، وسوف تحقق هذه الفوائد لنفسك حتى لو لم تنشرها للآخرين.

 

الكتابة تساعدك على فهم فكرتك بشكل أفضل

 

عملية الكتابة نفسها هي عملية تفكير، طالما أنت تكتب، تعرض المعلومات على عقلك بمستوى أعمق، عقلك يعمل ويراجع المعلومات وينقحها بطاقة كبيرة، فعندما حاولت الكتابة عن طرفة بن العبد، اكتشفت أنني لم أكن أعلم عنه إلا فكرة مبهمة، فدفعني هذا إلى حفظ شعره بشكل أفضل، وتأكدت من صحة بعض أقواله وعلمت أن أبياتا أخرى هي في الحقيقة ليست له، وكنت أظنه صاحبها، لهذا إذا أردت أن تفهم موضوعا ما بصورة أعمق، جرب أن تكتب مقالا عنه.

 

قدرة أكبر على عرض فكرتك أمام المهتمين

 

عندما تترتب أفكارك، تمتلك قدرة أكبر على عرضها أما الآخرين ممن يشاركونك الاهتمام بها أو لنشرها بين الناس، وتفعل ذلك بثقة أكبر، وسوف يقل الارتباك والتلعثم إذا ألقيت كلمة أمام الناس، ويقلل احتمالات سوء الفهم بسبب ضعف التقديم، فإذا كنت مطالبا بإلقاء كملة أمام جمهور، اكتب ما ستقوله وتدرب عليه، وهذا ما أفعله في قناتي على يوتيوب، فأنا أكتب كل ما سأقوله في حلقاتي وأتدرب على قراءته بصوت مرتفع، فلا أضطر للتفكير في كل كل كلمة ويصبح تركيزي على الأداء بشكل أفضل.

وإذ تكلمت عن الموضوع دون تحضير كتابة، سأكتشف لاحقا أنني نسيت بعض الأجزاء، أو أنني كررت وأطلت في مواضع دون داع، وتلعثمت في الكلام في مواضع أخرى،  وهكذا مع الكتابة أصبح بإمكاني الحديث عن جمال شعر طرفة بن العبد وشرح قصائده بشكل أفضل والكتابة عنه لينتشر شعره بين الناس.

 

الكتابة والتفكير النقدي

ينظر الخبير المتمرس إلى المادة نظرة تختلف عن الشخص العادي، ويكتشف العيوب التي لا يراها غيره، كما يكتشف الطبيب بوادر المرض على مريضه، لأنه على دراية بتطور المرض وما يخفى على الشخص العادي، كذلك الكاتب، قراءته للنص تختلف عن الشخص العادي، لأنه يراقب كيف كتب النص وما هي المعلومات الواردة فيه.

بالعودة لمثالنا، أستطيع تمييز مواطن الجمال والفنيات في شعر طرفة بن العبد أكثر من الآخرين، لأنني كتبت عنه كثيرا، وأستطيع تمييز مواطن الضعف فيما يكتبه الآخرون عنه.

ستجعلك الكتابة قادرا على النقد الموضوعي القائم على الحجة والعرض المتسلسل للأفكار أكثر من اسم الكاتب والصوت الجهوري أو الشخصية وغيرها من الأساليب التي يعتمد عليها البعض، بشكل يخفي ضعف معلوماتهم. 

التمرس على الكتابة يسهل التفاعل بشكل أعمق مع مادة الموضوع، وتقديم نقد فعال عنه ويقتنع به الآخرون، بعيدًا عن مجرد تخزين البيانات واسترجاعها، ويتطلب الوصول التفكير النقدي التحليل والتأمل والتقييم والإبداع والتفكير الدقيق، والتفكير العميق في كل هذا، وكل هذا يتحقق بطول الكتابة ومعايشة الموضوع.

 

الكتابة والذاكرة والصحة الذهنية.

 تساعد الكتابة في تحسين الذاكرة عن طريق خلق اتصال أعمق مع المادة داخل الذهن. لم أجد شيئا يثبِّت المعلومة في الذاكرة واختبار الفهم لموضوع معين مثل كتابة شرح أو ملخص له، الكتابة تثبت المعلومة في مستوى أعمق بكثير داخل العقل لأنها تجبره على التفكير، وهذا أمر سمعته بكثرة وربما يعرفه الجميع، لكن التكاسل كان يمنعني، فلما التزمت به وجدت أثره فوريا.

 ويمكن أن تكون الكتابة مفيدة لتحقيق نتائج صحية إيجابية، من الناحية النفسية والجسدية أيضا. 

من الناحية النفسية ثبت أن الكتابة تقلل من التوتر، لأنها تخرج شحنة القلق والمشاعر المكبوتة لتشعر بارتياح بعدها، فهي بذلك علاج فعال للاكتئاب، كما أنها تمنح الشعور بالإنجاز بعد الإحاطة بموضوعك وفهمه من جميع زواياه، وهو أمر مريح للأعصاب ويمنح الثقة.

ومن الناحية الفسيولوجية فإن عملية التفكير وتنشيط الذاكرة المستمر يحافظ على حدة الذكاء ويمنع تطور الأمراض العصبية كالذهان وصور من الزهايمر وفقد الذاكرة عند الشيخوخة.

 

الكتابة والإبداع الفني

الإبداع الأدبي وكتابة الروايات والشعر هو موضوع صعب الفهم من عدة نواحٍ، ويظل السؤال الدائم، هل يصبح المبدعون الموهوبون كتابا مهرة بموهبتهم أم أن هناك خطوات تساعدهم على تفعيل مواهبهم؟ تشير الأبحاث والتجارب إلى أن تعلم أساليب الكتابة لها تأثير إيجابي قابل للقياس في تحسين جودة الكاتب الموهوب ومساعدته على عرض أفكاره بشكل أفضل. 

 

المهارات الكتابية واللفظية

الكتابة توسع قدراتنا المعجمية، عندما نواجه تحديًا للتعبير عن الأفكار بشكل أكثر وضوحًا أو إبداعًا، فإننا نتجاوز حدود مصطلحاتنا المعتادة ونستكشف طرقًا جديدة للتواصل، تجبرك الكتابة على فتح المعجم والتعلم من الآخرين، وهذا أمر في غاية الفائدة.

 

 

محمد صالح

مدون وكاتب عربي، أهتم باللغة العربية وشرح الشعر والأدب العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى