الصورة الذهنية التي التصقت في أذهان أغلب الناس عن علم النحو أنه علم صعب، وهذا منتشر للأسف، في هذا المقال نعرف كيف نجهز أنفسنا لدراسة ممتعة تحقق الفائدة المرجوة من هذا العلم الممتع الذكي بالغ الفائدة، لتقبل عليه بصدر منشرح.
أسباب الصورة السلبية للنحو في أذهان الناس.
يمكن تعليل الصورة الذهنية السلبية لعدة أسباب:
الأول أن علم النحو تراكمي، تنبني فيه المعلومات على بعضها ولا يمكن تجاوز الدروس الأولى بنية الرجوع لها فيما بعد، يجب على الدارس أن يصعد فيه خطوة بخطوة كي لا يتشتت، وإذا درس بشكل عشوائي فإنه يتعثر وتصيبه الحيرة، وهذا ما يحدث لأغلب الناس بسبب عدم الالتزام بالترتيب.
السبب الثاني: هو تنقل الدارس بين كتب مختلفة وسماعه لمعلمين مختلفين في نفس الوقت، ورغم أن محتوى علم النحو واحد، فإن مصطلحات الكتب تختلف وكذلك أساليب التدريس، فإذا تقلب الطالب الجديد بينها سوف تصيبه الحيرة الشديدة.
السبب الثالث: هو قلة اهتمامنا باللغة العربية بوجه عام وعدم وجود الحماسة في دراستها، علينا أن نعترف أن سوق العمل في بلادنا يهتم باللغات الأجنبية، ويحرص الآباء على تفوق أولادهم في اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى ويتجاهلون العربية، ولهذه الظاهرة أسباب ربما نتناولها في مقال آخر، وأي مادة علمية تحتاج اقتناعا من الطالب والتزاما لتحقيق التفوق.
السبب الرابع: كثرة التعليل النحوي، وهي طريقة تدريس قديمة ما زال ينتهجها بعض الأساتذة، فلا يكتفون ببيان الحالة، مثل أن الفاعل مرفوع، بل يفتحون اسئلة فلسفية لا طائل منها، مثل، لماذا هو مرفوع، ولماذا رفع بهذه العلامة تحديدا ولم يرفع بتلك؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تخص بها بعض كتب النحو والتي يصر البعض على التدريس بها، وليست لها فائدة وتسبب ضجر الطلاب، وسوف أكتب عنها موضوعا منفصلا في وقت لاحق.
في هذا المقال ، أجيب على الأسئلة التي أعلم أنها ستقال قبل الدراسة ، دائما يقولون، أتمنى أن أدرس النحو لكن لا أعرف، النحو صعب جدا، ونحو هذا الكلام، ونريد أن نكسر هذا الحاجز.
استفدت هذه المعلومات من تجربتي الشخصية مع دراسة النحو وغيره ومن المعلومات والملاحظات التي يذكرها الأساتذة في مستهل شرحهم، جمعت لكم حصيلة خبرات متراكمة جمعتها من مقدمات الكتب وأساتذة التربية، سوف تستفيد إذا كنت تبدأ النحو لأول مرة أو درسته مفرقا مبعثرا ثم يريد أن يدرسه بصورة منهجية.
طريقة مذاكرة علم النحو.
النحو مثل أي شيء آخر، يصبح سهلا حالما تعتاد على نظامه وتكتشف الخطوط العريضة بالترتيب، عندما تفهم المبادئ الأساسية ، وهي معنى الإعراب والبناء وعلامات الإعراب وأنواع الكلمات، ستجد أن كل شيء قد تفتح أمامك، فهو مثل جوزة الهند، تحيط بها قشرة صلبة، بعدما تخترقها سوف تجد باللب الطري والماء الحلو.
والنحو في ذلك مثل أي علم آخر، يجب أن تبذل المجهود الكافي لتستحق الثمرة، إذا كنت مقتنعا بأهمية اللغة العربية، اجعلها أولوية وخصص لها وقتا كما تدرس المواد الأخرى والعلوم والرياضيات، وحتى اللغات الأخرى.
الممارسة العملية بجانب الدراسة النظرية.
علم النحو هو مجموعة القواعد النظرية التي تعلمك ضبط الجملة العربية الصحيحة، ويصبح سهلا إذا كانت أذنك معتادة أصلا على سماع اللغة الفصيحة ولسانك معتادا على قراءتها في الكتب، تعايش مع اللغة الفصيحة حتى تصبح أمرا معتادا عندك، حينها ستجد أن القواعد تتماشى تماما مع ما اعتدت عليه، تجد نفسك تنطق بالضمة في الموضع الصحيح، وتحذف النون في الموضع الصحيح بدقة كبيرة، وربما تخمن الاحكام الإعرابية سليقة بشكل صحيح، حتى لو لم تكن تعرف القاعدة، تذكر أن القواعد وضعت أصلا بعد اللغة لتصف اللغة الحية، كما أن اللغات سماعية، تتعلمها الأذن أيضا كما يفعل الأطفال، ولإتقان أي لغة يجب أن تتعايش معها لفترة حتى تصبح تلقائية في ذهنك.
ادرس كتابا كاملا بالترتيب.
أيضا، كما أشرت في بداية المقال، طبيعة النحو تراكمية مثل الرياضيات مثلا، لن تفهم الدروس إلا إذا فهمت المبادئ، ولن تفهم الدروس التالية إلا إذا فهمت الدروس الأولى لأنها مبنية عليها وإكمال لها. وهذه الفائدة الكبرى لدراسة كتاب كامل بالترتيب، فقد وضعها أصحابها بناء على خبرة مجربة وتراكم معرفي، لهذا يجب أن تدرس بترتيب، وأن تعلم موضع كل درس من الخطة العامة، لا يمكن أن تذهب إلى موضوع عشوائي من المنتصف وتقرر دراسته ثم تعود للمقدمة، لأنك ستصعب الأمر على نفسك.
وإذا بدأت مع كتاب، فالتزم به حتى تنتهي منه عدة مرات قبل أن تنتقل إلى كتاب آخر، محتوى كتب النحو تقريبا واحد، كللها تصف نفس القواعد، ولكن لكل أستاذ أسلوب وترتيب يختلف عن الآخر، وحتى في نفس الكتاب، هناك اختلافات واضحة في الترتيب بين الشروح المختلفة، مثلا في أبواب المعربات والمبنيات وعلامات الإعراب.
كثرة التنقل بين الشروح المختلفة تصيب الطالب الجديد بالتشتت الأكيد، كما أن الطالب في هذه المرحلة ليس مهيأ ليفاضل بينهم ولا يهمه ذلك، فإذا بدأت كتابا فأكمله للنهاية ثلاث مرات حتى تنتهي منه، بعد ذلك اقرا ما شئت.
افهم القواعد الأساسية أولا.
التحدي الأهم في النحو هو الفصل الأول الذي يتعلق بأنواع الكلمة والجملة المفيدة، والفصل الثاني الذي يتعلق بفكرة الإعراب والبناء ومواضعهم، لأن هذه هي المبادئ التي يقوم عليها العلم، وكل ما بعدها تطبيقات عليها.
ركز جهدك في البداية على هذه الدروس وكررها قدر الحاجة، بعدها ستنفتح أمامك بقية الأقسام، وستصبح كالتطبيق العملي للخريطة، وستظهر جماليات وستقدر جمال اللغة العربية.
ذاكر الدرس ثلاث مرات
ليثبت درس النحو في رأسك كما في كل العلوم، ينبغي أن تدرسه وتقرأه ثلاث مرات، القراءة الأولى وظيفتها التعرف على المادة، ومصطلحاتها الجديدة: الرفع والنصب، المبتدأ والخبر والتأكيد والبدل ونحو ذلك، كل هذه المصطلحات جديدة تماما، ومهما كان تركيزك سيلتقط عقلك جزءا صغيرا من المعلومة وينسى الأكثر، لأن المعلومات تبقى في الذاكرة القصيرة ولا تنتقل لذاكرتك الطويلة، ومن الطبيعي أن تصاب بالتشتت لكثرة المعلومات التي تتعرف عليها لأول مرة وتداخلها، لا تقلق هذا طبيعي.
كما قلنا، علم النحو يتعلق بعضه ببعض، ولكي تحيط بكثير من الدروس بشكل جيد، فإنك تحتاج لمعرفة قليل من قواعد الأخرى بشكل مسبق، لتفهم علاقة هذا الباب بالآخر، كثيرا ما توجد قاعدة ما في آخر الكتاب مثل المضاف إليه، ولكنك تحتاج بعضا منها لتفهم الدرس الذي في أول الكتاب، مثلا في باب النكرة والمعرفة، وفي المثنى وجمع المذكر السالم، أي أن الدروس متشابكة وتحتاج أن ترجع لها أكثر من مرة.
من أجل هذا الترابط بين المواضيع يحتاج المدرس أن يذكر التلاميذ أين كنا في الدرس السابق وماذا سنأخذ وكيف أصبح موقعنا من خريطة النحو العامة.
ومن آفات عصرنا، عصر التيك توك والتدوينات القصيرة، أن الناس اعتادوا على تلقي المعلومات السهلة والمقاطع ذات الدقيقة الواحدة، والتقليب بينها بسرعة، فإذا رأى شيئا يحتاج إلى وقت أو مجهود، فإنه يتكاسل ويتهم المادة أو الأستاذ، والعلوم لا تأتي بهذه الطريقة، فمعالي الأمور لا تنال إلا بتحمل التعب ومعاناة المشقة، وإذا طالك شيء من الإرهاق في تحصيل المعلومة، فتذكر أن هذا هو الأصل، لكنك ستنال الثمرة بعد ذلك من لذة المعرفة والثقة والسعادة بالنجاح، وبعد ذلك الفخر والشرف، فعود نفسك على التعب قليلا لتحصل الفائدة.
وبعد القراءة الأولى بفترة، اقرأ الدرس أو استمع له مرة ثانية، القراءة الثانية هي الدراسة الحقيقية وفيها يتم إدخال المعلومات مرتبة إلى العقل، ستفهم المصطلحات التي تعرفت عليها في المذاكرة الأولى وتفهم ترتيب الكتاب وعلاقة الأجزاء ببعضها، قلت لكم أن علم النحو متداخل ومتشابك، في هذه المرحلة ستفهم علاقة الجملة الإنشائية والجملة الخبرية بدرس نواصب الفعل المضارع، وعلاقة النكرة والمعرفة بدرس الصفة، رويدا رويدا ستتضح الصورة في عقلك.
ثم تحتاج إلى قراءة ثالثة، وهي مرحلة تثبيت المعلومة في عقلك، عندما تقرأ النص للمرة الثالثة تمتلك فكرة مسبقة عن المحتوى وتتوقع ما تسمع، وتتأكد من بعض معلوماتك وتستوضح الأخرى، وعند هذه المرحلة تثبت المعلومة عند أغلب الناس بشكل صلب، ويستطيع أن يقول أنه وعي هذا الكتاب.
يستحسن في هذه المرحلة أن تذاكر بتركيز وأن تكون بالكتابة بالورقة والقلم، أو على جهاز الكومبيوتر، ولتكتب ولتسجل وأنت تذاكر، هذه هي طريقة المتفوقين في أي دراسة من أي نوع، والنحو لا يختلف عن ذلك.
وهناك مرة رابعة لمن أراد، بأن تحاول أن تشرحه لغيرك، لأن محاولة شرح المادة هو أفضل طريقة لتعلمها، أنا الآن أتعلم المادة التي أشرحها أكثر من المستمعين، حاول أن تشرح لزميلك صفحة، وأن يشرح لك صفحة، وسوف تحققان معا أفضل استفادة ممكنة.
اقرأ الكتاب على فترات بعد الانتهاء منه
أعد تصفح الكتاب مرة أخرى على فترات ولو متباعدة، مرة كل شهرين أو ثلاثة كي تضمن حضورها الدائم في ذهنك ولا تتفلت منه.
من التوصيات المفيدة والمجربة أيضا أن يكون التصفح في وقت قصير، فتأخد الدروس بسرعة تلو بعضها، لأن الدروس تخدم بعضها، والمعلومات بينها تتشابك، ولو قرأتها في وقت قصير فإنها تتركب تلقائيا في ذهنك.
وإذا ذاكرت درسين ثم غبت فترة وغدت تكمل ستجد أنك فقدت الرابط بين الدروس وستعيد من البداية، لهذا كما ينصح الأساتذة، حاول أن تنهي منهج النحو في فترة قصيرة، ولتكن أسبوعين أو شهرا.
حل التدريبات الإعرابية
احرص على قراءة تمارين الإعراب التي توجد في نهاية الفصل ولا تتجاهلها، لأنها التطبيق العملي على الدروس، وتساعد كثيرا على تثبيت الدرس في عقلك.
هل تضمن لك دراسة النحو اختفاء الأخطاء اللغوية؟
للأسف لا، اللغة منها جزء نظري نحصله بمعرفة النحو والقواعد وجزء عملي بالممارسة، ويندر من لا يلحن في الحديث في هذا العصر حتى من الأساتذة الكبار الذين يشرحون المتون الكبيرة، وكم من طالب يحفظ المتون والقواعد ولا يستطيع أن ينشأ نصا فصيحا قصيرا، أو يتلعثم إذا قرأ نصا من شعر العرب ونثرهم، لأن السليقة قد تبدلت، أحيانا نفكر في القواعد ونعتصر ذهننا ونحن نتكلم، والمطلوب هو أن نتكلم دون تفكير.
هدفك الأخير هو الوصول لما نسميه الملكة اللغوية، وهي القدرة على التعبير عن النفس بلغة عربية سليمة بسلاسة وبلا تفكير مسبق، نحتاج إلى تدريب السليقة، وهذا يأتي إضافة لتعلم القواعد النظرية بكثرة القراءة والاستماع إلى اللغة الفصيحة والمداومة على ذلك حتى الاعتياد عليها، لأن اللغة أصلا سماعية، كذلك كثرة القراءة بصوت مرتفع، إذا التزمت على هذا لفترة ستتحسن السليقة بشكل كبير وستقل أخطاؤك.
داوم على قراءة الشعر الأصيل والنصوص العربية من عصر الفصاحة الأولى، فهذه هي النصوص التي استقى منها العلماء قواعد النحو، وإذا اعتدت على طريقة كلام العرب، تجد نفسك تنطق بالفتحة على آخر الكلمة دون أن تعرف أنها حال، وترفع كلمة دون أن تعرف أنها مبتدأ وتجد قواعد النحو تنطبق على ما اعتدته في النصوص، ففيها تجد قواعد النحو في بيئتها الطبيعية.
وفي هذا الباب عليك بقراءة القرآن الكريم لأنه أصح كتاب عربي، ثم قراءة أشعار العرب في عصر الفصاحة فهي أبلغ كلامهم، احفظ المعلقات ومجموعة ديوان المفضليات، وتأمل ألفاظها ومعانيها، ثم كتب الأدب والبلاغة، كجمهرة خطب العرب، والبيان والتبين، والكامل في التاريخ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، أي كتاب فصيح سوف يؤدي الغرض، لهذا فالاختيارات واسعة جدا، إذا كنت تريد تعلم معاني المفردات أيضا فعليك بكتاب لسان العرب.
طريقة شرحي وترتيب الدروس
سوف تجد شرحا كاملا للنحو، هنا على الموقع وعلى قناتنا على يوتيوب، التي تجد روابطها، وسوف يتم تحديثه إلى أن ننتهي من النحو كاملا، طريقة شرحي والفكرة الرئيسية فيه هي التسهيل، والبعد عن الحشو في القواعد، والابتعاد عن الخلافات والآراء المتشعبة وإعطاء الأولوية للتطبيق.
وأهم ما أقصده بهذا هو أننا سنتبع المنهج الوصفي في رصد اللغة، نصف ظواهر اللغة ونأتي بالأمثلة كما تكلمها أصحابها العرب، وسنبتعد تماما عما يسمى بالتعليل الفلسفي، في رأيي الشخصي أن الغوص في هذه التعليلات هو سبب نصف التعقيد والسمعة السيئة التي تحيط بعلم النحو، عندما يحاول النحويون تفسير ظواهر اللغة المسموعة بطريقة فلسفية، مثل لماذا يجر الاسم ولا يجزم، بينما يجزم الفعل ولا يجر؟ ولماذا تبنى بعض الأسماء مع أن أغلبها معرب؟
نحن ندرس ظواهر اللغة بهذه الطريقة لأن هذه بالذات طريقة كلام العرب التي نطقوا بها، ولا يعنينا لماذا وليس لهذا البحث فائدة، فلن نتعرض لهذه الطريقة على الإطلاق.
وسوف يكون النص باللغة العربية الفصحى، الفصحى هي التي تجمعنا وهي التي يرغب إخوتنا من غير العرب في تعلمها، وهي التي ستقابلها في القرآن والكتب، وأعتقد أنه من غير المناسب أن أقدم لكم شرحا للغتنا الفصحى باللهجة المحلية، إذا فعلت ذلك فإنني أهينها وأناقض نفسي، فإذا كان المدرس الذي يشرحها لا يتحدث بها؟ فمن الذي سيفعل؟
أتمنى أن أوفق في عرض قواعد لغتنا الجميلة عليكم وأن تنال إعجابكم وتشجيعكم، وأن نخدم اللغة العربية الخدمة التي تستحقها.