
تنشتر بين الناس صورة ذهنية أن النحو موضوع صعب، وهذه فكرة منتشرة للأسف. في هذا المقال نعرف كيف نجهز أنفسنا لدراسة ممتعة تحقق الفائدة من هذا العلم الممتع الذكي بالغ الفائدة. لتقبل عليه بصدر منشرح.
سوف أجيب على الأسئلة التي أعلم أنها ستقال قبل الدراسة. دائما ما نسمع: أتمنى أن أدرس النحو لكن لا أعرف، النحو صعب جدا، ونحو هذا الكلام. ونريد أن نكسر هذا الحاجز.
استفدت هذه المعلومات من تجربتي الشخصية مع دراسة النحو وغيره. ومن المعلومات والملاحظات التي يذكرها الأساتذة في مستهل شرحهم، جمعت لكم حصيلة خبرات متراكمة جمعتها من مقدمات الكتب وأساتذة التربية. وسوف تستفيد إذا كنت تبدأ النحو لأول مرة أو درسته مفرقا مبعثرا وتريد الآن دراسته بصورة منهجية.
لماذا يعتقد الناس أن النحو صعب؟
لأننا غير معتادين على الفصحى في حياتنا اليومية.
مجال علم النحو هو اللغة العربية الفصحى، وللأسف نحن لا نستعملها كثيرا في الحياة اليومية. ولا أقصد بالاستعمال أن نتحدث الفصحى في المنازل، بل اعتياد سماعها في وسائل الإعلام ومكان العمل وأماكن الدراسة. لأن اللغة الإنجليزية غزت حياتنا اليومية.
الإنسان ابن عاداته، ولهذا يستسهل كثير من الناس دراسة الإنجليزية، فقط لأنهم اعتادوا عليها. لو اعتاد الإنسان سماع الكلام العربي الفصيح سيفهم تركيب الجمل العربية ويتكلم بشكل صحيح حتى لو لم يعرف القاعدة. بدليل أن الأجيال الأقدم لم تكن تجد هذه الصعوبة عند دراسة النحو. وعندما يقبل على دراسة النحو وقواعده سيجد أنه منسجم مع ما اعتاد عليه وسيكون في غاية السهولة.
نعيش مشكلة قلة اهتمامنا باللغة العربية بوجه عام وعدم وجود الحماسة في دراستها. علينا أن نعترف أن سوق العمل في بلادنا يهتم باللغات الأجنبية. ويحرص الآباء على تفوق أولادهم في اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى ويتجاهلون العربية. ولهذه الظاهرة أسباب ربما نتناولها في مقال آخر، وأي مادة علمية تحتاج اقتناعا من الطالب والتزاما لتحقيق التفوق.
أخطاء في دراسة النحو
– عدم الإلمام بالطبيعة التراكمية للنحو.
علم النحو مثل دراسة اللغات والرياضيات: تبنى فيه المعلومات على بعضها. ولا يمكن تجاوز الدروس الأولى بنية الرجوع لها فيما بعد. يجب على الدارس أن يصعد فيه خطوة بخطوة كي لا يتشتت. وإذا درس بشكل عشوائي فإنه يتعثر وتصيبه الحيرة، وهذا ما يحدث لأغلب الناس بسبب عدم الالتزام بالترتيب.
– الخلط بين الكتب المختلفة في الدراسة.
من الأخطاء الشائعة أن يخلط الدارس بين كتب مختلفة ويسمع لمدرسين مختلفين في نفس الوقت، ورغم أن محتوى علم النحو واحد، فإن مصطلحات الكتب تختلف وكذلك أساليب التدريس، وحتى ترتيب الدروس، فإذا تقلب الطالب الجديد بينها سوف تصيبه الحيرة الشديدة، في المرحلة الأولى التزم مصدرا واحدا حتى تنتهي منه، ولا تدرس من مصادر أخرى حتى يثبت في ذهنك.
– كثرة التعليل النحوي.
وهي طريقة تدريس قديمة ما زال ينتهجها بعض الأساتذة. فلا يكتفون ببيان الحكم المبني على الملاحظة، وهي الطريقة الصحيحة لدراسة اللغات. مثل أن الفاعل مرفوع، بل يفتحون اسئلة فلسفية لا طائل منها، مثل، لماذا هو مرفوع، ولماذا رفع بهذه العلامة تحديدا ولم يرفع بتلك؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تخص بها بعض كتب النحو والتي يصر البعض على التدريس بها. وليست لها فائدة وتسبب ضجر الطلاب، وسوف أكتب عنها موضوعا منفصلا في وقت لاحق.
البداية فقط تحتاج التركيز.
النحو مثل أي موضوع آخر، يصبح سهلا حالما تعتاد على نظامه وتكتشف الخطوط العريضة بالترتيب. عندما تفهم المبادئ الأساسية ، وهي معنى الإعراب والبناء وعلامات الإعراب وأنواع الكلمات، ستجد أن كل شيء قد تفتح أمامك. النحو مثل جوزة الهند، ثمرة تحيط بها قشرة صلبة، بعدما تخترقها سوف تجد القلب الطري والماء الحلو. والنحو فعلا يكون ممتعا بعد فترة، لأنه يجعلك تستمتع بنصوص اللغة العربية. لهذا يجب أن تبذل المجهود الكافي لكسر الحواجز الأولى.
إذا كنت مقتنعا بأهمية اللغة العربية، اجعلها أولوية وخصص لها وقتا كما تدرس المواد الأخرى والعلوم والرياضيات. وحتى اللغات الأخرى، وسوف ترى النتيجة سريعا.
ومن مشكلات عصرنا الذي تحكمه عقلية التيك توك والتدوينات القصيرة. أن الناس اعتادوا تلقي المعلومات السهلة والمقاطع ذات الدقيقة الواحدة، والتقليب بسرعة. فإذا رأى ما يحتاج إلى وقت أو مجهود، فإنه يتكاسل ويتهم المادة أو الأستاذ والعلوم لا تأتي بهذه الطريقة، ومعالي الأمور لا تنال إلا بتحمل التعب ومعاناة المشقة. فإذا طالك شيء من الإرهاق في تحصيل المعلومة، فتذكر أن هذا هو الأصل. لكنك ستنال الثمرة بعد ذلك من لذة المعرفة والثقة والسعادة بالنجاح. وبعد ذلك الفخر والشرف، فعود نفسك على التعب قليلا لتحصل الفائدة.
الممارسة العملية بجانب الدراسة النظرية.
علم النحو هو مجموعة القواعد النظرية التي تعلمك ضبط الجملة العربية الصحيحة. وكلما كانت أذنك معتادة على سماع اللغة الفصحية وعينك معتادة على قراءتها أصبح أسهل. تعايش مع اللغة العربية الحية حتى تصبح أمرا معتادا عندك، حينها ستجد أن القواعد تتماشى تماما مع ما اعتدت عليه. ستجد نفسك تنطق بالضمة في الموضع الصحيح، وتحذف النون في الموضع الصحيح بدقة كبيرة. وربما تخمن الاحكام الإعرابية سليقة بشكل صحيح حتى لو لم تكن تعرف القاعدة. تذكر أن القواعد وضعت أصلا بعد اللغة لتصف اللغة الحية، كما أن اللغات سماعية، تتعلمها الأذن أيضا كما يفعل الأطفال. ولإتقان أي لغة يجب أن تتعايش معها لفترة حتى تصبح تلقائية في ذهنك.
ادرس كتابا كاملا بالترتيب.
كما أشرت في بداية المقال، طبيعة النحو تراكمية، لن تفهم الدروس إلا إذا فهمت المبادئ. ولن تفهم الدروس التالية إلا إذا فهمت الدروس الأولى لأنها مبنية عليها وإكمال لها. وهذه الفائدة الكبرى لدراسة كتاب كامل بالترتيب، فقد وضعها أصحابها بناء على خبرة مجربة وتراكم معرفي. لهذا يجب أن تدرس بترتيب، وأن تعلم موضع كل درس من الخطة العامة. لا يمكن أن تذهب إلى موضوع عشوائي من المنتصف وتقرر دراسته ثم تعود للمقدمة، لأنك ستصعب الأمر على نفسك.
وإذا بدأت مع كتاب، فالتزم به حتى تنتهي منه عدة مرات قبل أن تنتقل إلى كتاب آخر. محتوى كتب النحو تقريبا واحد، كللها تصف نفس القواعد. ولكن لكل أستاذ أسلوب وترتيب يختلف عن الآخر. وحتى في نفس الكتاب، هناك اختلافات واضحة في الترتيب بين الشروح المختلفة، مثلا في أبواب المعربات والمبنيات وعلامات الإعراب.
كثرة التنقل بين الشروح المختلفة تصيب الطالب الجديد بالتشتت الأكيد. كما أن الطالب في هذه المرحلة ليس مهيأ ليفاضل بينهم ولا يهمه ذلك. فإذا بدأت كتابا فأكمله للنهاية ثلاث مرات حتى تنتهي منه، بعد ذلك اقرا ما شئت.
افهم القواعد الأساسية أولا.
التحدي الأهم في النحو هو الفصل الأول الذي يتعلق بأنواع الكلمة والجملة المفيدة. والفصل الثاني الذي يتعلق بفكرة الإعراب والبناء ومواضعهم. هذه هي المبادئ التي يقوم عليها العلم، وكل ما بعدها تطبيقات عليها. إذا استوعبت هذه المبادئ سيصبح كل شيء في غاية السهولة.
ركز جهدك في البداية على هذه الدروس وكررها قدر الحاجة. بعدها ستنفتح أمامك بقية الأقسام، وستصبح مجرد سرد وتطبيق عملي للخريطة، وستبدأ في تقدير جماليات اللغة العربية.
ذاكر الدرس ثلاث مرات
مثل كل دراسة أخرى، ينبغي أن تذاكر الكتاب ثلاث مرات. القراءة الأولى وظيفتها التعرف على المادة، ومصطلحاتها الجديدة: الرفع والنصب، المبتدأ والخبر والتأكيد والبدل ونحو ذلك. كل هذه المصطلحات جديدة تماما، ومهما كان تركيزك سيلتقط عقلك جزءا صغيرا من المعلومة وينسى الأكثر. لأن المعلومات تبقى في الذاكرة القصيرة ولا تنتقل لذاكرتك الطويلة. ومن الطبيعي أن تصاب بببعض الحيرة لكثرة المعلومات التي تتعرف عليها لأول مرة وتداخلها، لا تقلق هذا طبيعي.
لكي تحيط بكثير من الدروس بشكل جيد، ربما تحتاج لمعرفة قليل من الدروس الأخرى بشكل مسبق. لأن النحو علم مترابط، كثيرا ما توجد قاعدة في آخر الكتاب مثل المضاف إليه، ولكنك تحتاج بعضا منها لتفهم الدرس الذي في أول الكتاب، مثلا في باب النكرة والمعرفة، وفي المثنى وجمع المذكر السالم، وهذه هي فائدة القراءة الثانية والثالثة.
من أجل هذا الترابط بين المواضيع يحتاج المدرس أن يذكر الطالب أين توقف في الدرس السابق. وماذا سندرس لاحقا وكيف أصبح موقعنا من خريطة النحو العامة.
القراءة الثانية هي الدراسة الحقيقية وفيها يتم إدخال المعلومات مرتبة إلى العقل. ستفهم المصطلحات التي تعرفت عليها في المرة الأولى وتفهم ترتيب الكتاب وعلاقة الأجزاء ببعضها. في هذه المرحلة ستفهم مثلا علاقة الجملة الإنشائية والجملة الخبرية بدرس نواصب الفعل المضارع، وعلاقة النكرة والمعرفة بدرس الصفة. رويدا رويدا ستتضح الصورة في عقلك.
ثم تحتاج إلى قراءة ثالثة، وهي مرحلة تثبيت المعلومة في عقلك، ستدخل لها وأنت تمتلك فكرة مسبقة عن المحتوى وتتوقع ما تسمع. ستتأكد من بعض معلوماتك وتستوضح الأخرى، وعند هذه المرحلة تثبت المعلومة عند أغلب الناس بشكل صلب. ويستطيع الإنسان أن يقول أنه أنهى هذا الكتاب.
يستحسن في هذه المرحلة أن تذاكر بتركيز وأن تكون بالكتابة بالورقة والقلم، أو على جهاز الكومبيوتر. ولتكتب ولتسجل وأنت تذاكر، هذه هي طريقة المتفوقين في أي دراسة من أي نوع، والنحو لا يختلف عن ذلك.
وهناك مرة رابعة لمن أراد. بأن تحاول أن تكتب المادة أو تشرحها لغيرك، الكتابة نفسها طريقة تفكير، وشرح المادة هي أفضل طريقة لتعلمها. أنا الآن أتعلم المادة التي أشرحها أكثر من المستمعين، حاول أن تشرح لزميلك صفحة، وأن يشرح لك صفحة، وسوف تحققان معا أفضل استفادة ممكنة.
اقرأ الكتاب على فترات بعد الانتهاء منه.
أعد تصفح الكتاب مرة أخرى على فترات ولو متباعدة. مرة كل شهرين أو ثلاثة كي تضمن حضورها الدائم في ذهنك ولا تتفلت منه.
من التوصيات المفيدة والمجربة أيضا أن يكون التصفح في وقت قصير. فتأخد الدروس بسرعة تلو بعضها، لأن الدروس تخدم بعضها، والمعلومات بينها تتشابك. ولو قرأتها في وقت قصير فإنها تتركب تلقائيا في ذهنك.
وإذا ذاكرت درسين ثم غبت فترة وعدت تكمل ستجد أنك فقدت الرابط بين الدروس وستعيد من البداية. لهذا كما ينصح الأساتذة، حاول أن تنهي منهج النحو في فترة قصيرة، ولتكن أسبوعين أو شهرا.
حل تدريبات النحو الإعرابية
احرص على قراءة تمارين الإعراب التي توجد في نهاية الفصل ولا تتجاهلها. لأنها التطبيق العملي على الدروس، وتساعد كثيرا على تثبيت الدرس في عقلك.
هل تضمن لك دراسة النحو اختفاء الأخطاء اللغوية؟
للأسف لا، اللغة منها جزء نظري نحصله بمعرفة النحو والقواعد وجزء عملي بالممارسة والمعايشة. ويندر من لا يلحن في الحديث في هذا العصر حتى من الأساتذة الكبار الذين يشرحون المتون الكبيرة. وقد تبدلت السليقة حتى ترى الطالب يحفظ المتون والقواعد ولا يستطيع أن ينشأ نصا فصيحا قصيرا. أو يتلعثم إذا قرأ نصا من شعر العرب ونثرهم. أحيانا نفكر في القواعد ونعتصر ذهننا ونحن نتكلم، والمطلوب هو أن نتكلم دون تفكير.
هدفنا الأخير هو الوصول لما نسميه الملكة اللغوية. وهي القدرة على التعبير عن النفس بلغة عربية سليمة بسلاسة وبلا تفكير مسبق. نحتاج إلى تدريب السليقة، وهذا يأتي إضافة لتعلم القواعد النظرية بكثرة القراءة والاستماع إلى اللغة الفصيحة والمداومة على ذلك حتى الاعتياد عليها. اللغة أصلا سماعية، عليك بكثرة القراءة بصوت مرتفع، إذا التزمت على هذا لفترة ستتحسن السليقة بشكل كبير وستقل أخطاؤك.
داوم على قراءة الشعر الأصيل والنصوص العربية من عصر الفصاحة الأولى. فهذه هي النصوص التي استقى منها العلماء قواعد النحو، وإذا اعتدت على طريقة كلام العرب، ستجد نفسك تنطق بالفتحة على آخر الكلمة دون أن تعرف أنها حال. وترفع كلمة دون أن تعرف أنها مبتدأ وتجد قواعد النحو تنطبق على ما اعتدته في النصوص، ففيها تجد قواعد النحو في بيئتها الطبيعية.
وفي هذا الباب عليك بقراءة القرآن الكريم لأنه أصح كتاب عربي، ثم قراءة أشعار العرب في عصر الفصاحة فهي أبلغ كلامهم، احفظ المعلقات ومجموعة ديوان المفضليات، وتأمل ألفاظها ومعانيها، ثم كتب الأدب والبلاغة، كجمهرة خطب العرب، والبيان والتبين، والكامل في التاريخ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، أي كتاب فصيح سوف يؤدي الغرض، لهذا فالاختيارات واسعة جدا، إذا كنت تريد تعلم معاني المفردات أيضا فعليك بكتاب لسان العرب.
طريقة شرحي وترتيب الدروس
سوف تجد شرحا كاملا للنحو. هنا على الموقع وعلى قناتنا على يوتيوب، التي تجد روابطها، وسوف يتم تحديثه إلى أن ننتهي من النحو كاملا. طريقة شرحي والفكرة الرئيسية فيه هي التسهيل، والبعد عن الحشو في القواعد، والابتعاد عن الخلافات والآراء المتشعبة وإعطاء الأولوية للتطبيق.
وأهم ما أقصده بهذا هو أننا سنتبع المنهج الوصفي في رصد اللغة. نصف ظواهر اللغة ونأتي بالأمثلة كما تكلمها أصحابها العرب، وسنبتعد تماما عما يسمى بالتعليل الفلسفي، في رأيي أن الغوص في هذه التعليلات هو سبب نصف التعقيد والسمعة السيئة التي تحيط بعلم النحو. عندما يحاول النحويون تفسير ظواهر اللغة المسموعة بطريقة فلسفية، مثل لماذا يجر الاسم ولا يجزم، بينما يجزم الفعل ولا يجر؟ ولماذا تبنى بعض الأسماء مع أن أغلبها معرب؟
نحن ندرس ظواهر اللغة بهذه الطريقة لأن هذه بالذات طريقة كلام العرب التي نطقوا بها. ولا يعنينا لماذا وليس لهذا البحث فائدة، فلن نتعرض لهذه الطريقة على الإطلاق.
وسوف يكون النص باللغة العربية الفصحى، لأنها التي تجمعنا وهي التي يرغب إخوتنا من غير العرب في تعلمها. وهي التي ستقابلها في القرآن والكتب، وأعتقد أنه من غير المناسب أن أقدم لكم شرحا للغتنا الفصحى باللهجة المحلية. إذا فعلت ذلك فإنني أهينها وأناقض نفسي، فإذا كان المدرس الذي يشرحها لا يتحدث بها؟ فمن الذي سيفعل؟
أتمنى أن أوفق في عرض قواعد لغتنا الجميلة عليكم وأن تنال إعجابكم وتشجيعكم، وأن نخدم اللغة العربية الخدمة التي تستحقها.